قال: أكلت طعامي على عادتي قبل الظهر بساعة، فإني لا أحب تقديم ميعاد أكلي ولا تأخيره.
قالت: نسقيك من نبيذنا المعتق، فإنك تحب الخمرة.
قال: أشرب وأتناول شيئا من التفاح في أثره مزة، فاستدعت أخته الخادم ليحضر زجاجة مختومة، وصحنا من التفاح، وكبريتا للسيجارة، فاستغرب همام من هذه العناية الفائقة.
فقال لها: يظهر من تجملك غير المعتاد أن في نفسك حاجات، فأخبريني بغير تكلف عما ترغبين، كنت تحافظين على نبيذك القديم محافظة غانم على الدرهم أن يضيع من يده، وكنت تكرهين رائحة الدخان كرهك العمى وإبليس اللعين، وأنت الآن تجودين بالنبيذ المعتق المختوم، ولا تشمئزين من التدخين، فما سر المسألة؟ وما هذا التجمل؟ فوالله إني لأرى في نفسك حاجة تسألينها!
قالت: تأتي المزاح في كل حين فلا تعدل عنه، سبحان الله!
قال: أتذكرين أنك لم تسمحي لي بالتدخين إلا مرتين في حياتي، فأول مرة بعد وفاة زوجك حين طلبت مني خمسمائة جنيه على سبيل السلفة، فلم ترجعيها إلى الآن، وثاني مرة حين سألتني أن أهدي فؤادا حصانا عربيا من جياد الخيل، فهل خطر الآن في بالك أن تسأليني هدية أخرى أغترمها؟
قالت: ما أشد حذقك وأبلغ إدراكك، وكأنك تقرأ في الضمير، وتعلم غيب القلوب، فلا سبيل لكتمان شيء عنك، فالذي أخبرك الآن عنه لم يكن من مجرد فكري، وإنما قد سمعته من غانم في أثناء محادثتي معه في الأمس، فقد قال لي: إنه لعلمه بمحبتك لفؤاد وحنوك عليه حنو الوالد الشفوق على ولده، وبالنظر لخلوك من الأهل والأقارب، ولمناسبة العقد لابنته عليه أن تجعله وريثك الوحيد؛ ليصبح غنيا مثريا، فلا يتكل على ثروة امرأته.
قال: ومن أدراه أني أقيد نفسي في حياتي، فلا أتصرف بمالي كيف أشاء؟! أما والله فهذه نهاية السماجة وغاية الطمع الأشعبي، ولقد كنت عازما على تقديم هدية فاخرة برسم هذا الزواج، فعدلت الآن عن ذلك مكتفيا بالرضا والدعاء والبركة.
قالت: أي شيء يكدرك أو يوجب الزعل؟ أليست العادة عند المتقدمين في السن أنهم يوصون لأقاربهم بميراثهم؟
فاستشاط همام غضبا عند سماع ذلك، وقال لأخته: تزعمين أني طعنت في السن، وأصبحت هرما ولا تقبلني النساء ومحروما من زهرات الدنيا، لقد ضللت، فهذا عزيز أحد أصحابي كان أكبر مني سنا وأقل مقاما ووجاهة، قد تزوج بامرأة غنية لا تزيد على الثلاثين سنة، أفيصعب علي أن أتزوج بامرأة مثلها أو أحسن منها؟
صفحة غير معروفة