إذا كنا قد أثبتنا أن مسرحية «الملكة بلقيس» تمت طباعتها وتمثيلها في أواخر القرن التاسع عشر ، فمن الواجب علينا أن نبحث عن مؤلفة هذه المسرحية؛ لأنها تعتبر - حتى هذه اللحظة - أول مؤلفة مسرحية عربية مصرية! فمن يقرأ تاريخ المسرح العربي بصفة عامة والمسرح المصري بصفة خاصة؛ لن يجد قبل عام 1893 نصا مسرحيا مطبوعا قامت بكتابته «امرأة» سوى نص مسرحية «الملكة بلقيس» للسيدة لطيفة! فمن هي «لطيفة»؟!
نحن نظن أن السيدة «لطيفة» هي إحدى السيدات العاملات في المجال المسرحي المصري في القرن التاسع عشر ... وهذا الظن راجع إلى ما كتب على غلاف المسرحية من أن المسرحية «طبعت على ذمة المؤلفة»؛ أي إنها تعشق المسرح، بدليل أنها طبعت النص على نفقتها الخاصة، بالإضافة إلى عبارة «حقوق الطبع محفوظة»! وهذا يعني أن أية فرقة مسرحية إذا أرادت أن تمثل نص مسرحية «الملكة بلقيس»، لا بد وأن تأخذ الإذن بذلك، أو تدفع للمؤلفة مبلغا نظير ذلك، وهذا يدل أيضا على أن المؤلفة «لطيفة» كانت تعمل في الوسط المسرحي، أو على أقل تقدير لها تعاملات مع الفرق المسرحية، وبالأخص مع «جوق السرور» عام 1893.
وإذا كان ظننا السابق جاء من خلال عبارات غلاف المسرحية، فإننا يجب أن نؤكده ونوثقه بأدلة تاريخية أخرى، ولا يوجد أمامنا إلا البحث في التاريخ المسرحي عن سيدة تدعى «لطيفة» عملت في مجال المسرح! وبالفعل بحثنا في تاريخ المسرح المصري منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الثلث الأول من القرن العشرين - لظننا أن لطيفة ربما عاشت إلى هذا الوقت، على اعتبار أنها كتبت النص في أواخر القرن التاسع عشر - فوجدنا ست ممثلات مسرحيات كل واحدة منهن تدعى «لطيفة»، خمس ممثلات في الثلث الأول من القرن العشرين، وممثلة واحدة فقط في أواخر القرن التاسع عشر.
فالممثلة الأولى - من ممثلات الثلث الأول من القرن العشرين - هي «لطيفة أمين»، وقد عملت في عدة فرق مسرحية منذ عام 1918، منها فرقة جورج أبيض ورمسيس وعزيز عيد والفرقة القومية. والثانية «لطيفة كامل»، وقد عملت في فرقة فوزي منيب عام 1925. والثالثة «لطيفة سعيد»، وقد عملت في فرقة أمين صدقي عام 1926. والرابعة «لطيفة حجازي»، وقد عملت في فرقة عكاشة منذ عام 1927. والخامسة «لطيفة نظمي»، وقد عملت في فرقة جمعية أنصار التمثيل، وأيضا في فرقة علي الكسار منذ عام 1934.
23
وإذا نظرنا إلى أسماء الفرق المسرحية السابقة، وتتبعنا أخبار كل ممثلة تدعى «لطيفة» عملت بهذه الفرق؛ لن نجد أية علاقة بين الممثلات وفرقهن وبين مسرحية «الملكة بلقيس» وجوق السرور! وبناء على ذلك لم يبق أمامنا إلا الحديث عن الممثلة «لطيفة» التي عاشت وعملت بالتمثيل المسرحي في أواخر القرن التاسع عشر.
واسم الممثلة «لطيفة» جاء ذكره في ست إشارات منذ عام 1891 وحتى عام 1896، وجميعها تحدثت عن جوق السرور وبطلته وممثلته الأولى «لطيفة»! ولنتحدث عن هذه الإشارات بشيء من التفصيل:
الإشارة الأولى:
ذكرتها جريدة «المقطم» في 18 / 2 / 1891، وذلك من خلال «إعلان جمعية السرور الوطنية»، جاء فيه: «إن فن التشخيص قد ازدهى في هذه الأيام وصار له المقام الأول بين الهيئة الاجتماعية، ودليل ذلك إقبال العموم على المراسح، واستماع الروايات الأدبية التي هي مرآة يرى بها الحاضر أحوال السلف وما كانوا عليه من العفة والأمانة، وكيف يكون جزاء الخائنين. ويشاهد أيضا مسامرتهم ومحاضرتهم الأدبية، ويمتع أنظاره بمشاهد حسنة، ويشنف آذانه بأصوات رخيمة. ولما كنت من الذين خدموا هذا الفن مدة من الزمن، وقمت بتشخيص روايات كثيرة في القاهرة والأرياف، حائزا من كرم المولى على رضا العموم، وهو أمر أعده أكبر تعزية لي؛ فاقتضى من ثم أن أقابل معروفهم بإتقان حالة جوقنا إلى حد يضاعف سرورهم ويزيد حبورهم. وإجابة لطلب كثيرين قد اتخذنا محلا جديدا حسن الغاية في النصرية، بجوار منزل سعادة قاسم باشا، أمام مدرسة المبتديان؛ لتشخيص كثير من الروايات التي شخصت والتي لم تشخص إلى الآن. كل ذلك جعلناه خدمة للوطن عن طيب قلب، لا نطلب عليه مكافأة سوى رضا محبي الآداب، متكلين في كل أمر على الواحد القهار، داعين بطول بقاء الحضرة الفخيمة الخديوية التي بأيامه السعيدة ازدهت رياض العلم وأثمرت ... كيف لا وعلي المبارك ناظرها مبشر الآداب بحسن المآب وظهور العلم بعد احتجاب. ولا لزوم للإطناب لأنه عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وعلى الله الاتكال في كل حال. وسنشخص في هذه الليلة رواية، وسيقوم بأهم الأدوار حضرة المطرب الشهير مصطفى أفندي علي، وحضرة السيدة المشهورة بهذا الفن «لطيفة عبد الله»، ويعقب ذلك فصل رقص تتعطر وتتنايس به إحدى السيدات المشهورات، ويتلو ذلك فصل مضحك. أسعار الدخول 30 قرش صاغ لوج خمس كراسي. 4 كرسي درجة أولى ... مدير الجمعية ميخائيل جرجس.»
24
صفحة غير معروفة