ولما تأكد «ألفونك» منه ذلك كاد أن يطير فرحا وسرورا مما ظهر له من حمية الوزير «فرنان» وشهامته، وفي ثاني يوم توجه الوزير مع «ألفونك» لجهة القبة بعد أن استأذنا من الملك لزيارة الإله؛ لئلا يرتاب في أمرهما؛ لأن ذهابهما في غير أوقات الزيارة. ولما استأذنا على «مندان» أذنت لهما فدخلا، وترحبت بهما، وجلسوا جميعا، وبعد آداء فروض التحية فتحا باب المذاكرة، وأخبرها «ألفونك» بإسلام الوزير ففرحت، وزاد سرورها، ثم تكلما في الأمر من جهة إشهار هذا الدين القويم، فقالت لهما: إشهاره يحتاج إلى قوة، وهذه ليست بالإمكان ما لم يكن الملك معنا.
فقال الوزير: إني سأجمع رجالي ورجال سيدي «ألفونك»، وأنتخب العقلاء منهم، ونجعلها جمعية سرية، ونتذاكر في هذا الأمر بعد أن نأخذ عليهم القسم اللازم بألا أحد يظهر هذا السر.
قال «ألفونك»: نعم الرأي هذا، إنه لسديد! ولكن هل مضمون انضمامهم معنا.
قالت «مندان»: يجب أن تضموا كل واحد إلى الدين على حدة من الآخرين، وبذلك يصير أثبت للجمعية وأقوى، ويعرف كل منهم نفسه أخا ثابتا لباقي أعضاء الجمعية، ينتشلونه إذا عثر ويؤازرونه، وقد اجتهدت في هذه العبادة منذ سنين؛ ولذلك تراني سننت قانونا لتسير الجمعية على مقتضاه، وقد صار عندي فوق الخمسين رجلا.
فاندهش الوزير وقال : لأي سبب استحضرت هؤلاء الأشخاص؟
قالت: بسبب «بروتوس» الوكيل الخارجي المنوط به خدمة هذا الهيكل؛ لأنه آمن بربه من أيام دخولي إلى هذا المكان، وقد صارت أعضاء الجمعية إلى الآن خمسين نفرا والرئيس وأنا.
قال «ألفونك»: وما سبب إيمان «بروتوس؟»
قالت: إنه جاءني يوما، وقد أقمت الصلاة، فوقف في ذروة الباب إلى أن أتممت صلاتي، فتقدم إلى جانبي، وسألني عن هذا الإله الذي ذكرته، وقد أقسم لي أنه لا يبوح بكلمة ما، وإنه سمعني جملة مرار، وهو لا يقدر على مفاتحتي بهذا الخصوص، وقد مال قلبه إلى محبة الخالق ميلا أحرمه لذيذ المنام، والحاصل أنه آمن بربه، وكان معي كتاب من أستاذي «أرباسيس»، وكنت لا أفارقه، وأينما توجهت أصطحبه معي، وهو يحتوي على أصول دينية فأخرجته وشرحته، واستنبطت منه قانونا لأحكام الجمعية، فظهر بغاية الاتقان.
ولما سمعا ذلك منها تعجبا وطلبا منها إحضاره فأحضرته، فتصفحا سطوره فوجداه على غاية ما يرام، ففرحا به حيث إنه على قواعد دينية، وأكبرا «مندان» وشكراها، وهنآها على ما منحها الله من العلوم، وطلبا منها أن يدخلا في تلك الجمعية، ووعداها أنهما سيعضدانها بكل قوتهما.
فقالت: إن الاجتماع يكون في الأسبوع مرة، وكان في بادئ الأمر في رأس كل شهر مرة، وقد عينت الوقت الذي تجتمع فيه الجمعية.
صفحة غير معروفة