وسلم سيرل الشيك إلى جلالته دون أن ينبس ببنت شفة، وأخذه جلالته، ونظر فيه لحظة ثم وضعه في جيب صديريته، ثم عبر إلى آخر الغرفة ووقف عند الباب، وكان لا يزال مفتوحا والتفت إلى سيرل ثم قال في بساطة: إن كل هذا هراء كما تعلم، لأني سوف لا أتزوج تلك الفتاة البديعة التي تحبها، وذلك لسبب واحد هو أنني قد تزوجت فعلا وانتهى الأمر، وإن تعدد الأزواج غير مسموح به في فرنسا كما لا يخفى عليك!
وصدرت من فم السيدة صيحة احتجاج عالية: صه يا لويس!
ولكن جلالته ضحك مرة أخرى ضحكة جوفاء، ثم قال: لماذا أسكت؟ سوف يكون معلوما بعد وقت قليل في جميع أنحاء أوربا أن لويس التاسع عشر لن يكون ملكا على فرنسا بعد، بل إنه سيعيش في هدوء وسعادة مع تلك الفتاة التي اختارها لنفسه، وهي ألين سان أماند الجميلة. وإني أقسم لك مرة أخرى أنني سوف أحب دائما وأقدس الفتاة الجليلة التي قررت أن أتخذها زوجة لي!
وتراجع خطوة إلى الغرفة الأخرى ثم أقفل دونه الباب، ولم يتمالك سيرل نفسه من أن يقفز كالحيوان المجنون في اتجاه الباب، وسرعان ما اعترضته السيدة فوقفت بينه وبين الباب المغلق، ولم تقل شيئا، بل كانت عيناها هما اللتان تتكلمان، ونظر سيرل فيهما فإذا بغضبه كله وحقده عليها يتلاشى فجأة ويحل محله شعور بالعطف والحنان لأول مرة في حياته، وكان حنانه وليد شفقته؛ فقد كان يأسف لها كل الأسف لما لحقها من خيبة أمل كبيرة، واعتراها يأس شديد لاح على محياها الجميل؛ فقد انطفأ من عينيها ذلك البريق الغريب وشحب خداها وهرب الدم من شفتيها وترنحت في وقفتها، فمد سيرل بغريزته يده إليها ليسندها، ولكنها سحبت نفسها منه كأنما كان وحشا ضاريا!
غير أن هذه الحالة لم تستمر إلا لحظة قصيرة، وسرعان ما تمالكت نفسها بعدها، وقد أصبحت امرأة أخرى، وإذا بحنان سيرل يتحول إلى دهشة وتعجب. والواقع أنها كانت امرأة مدهشة، وقد أثارت إعجاب سيرل العميق بتلك الطريقة التي ملكت بها عواطفها وسيطرت على الجو الذي يحيط بها، حتى إنها عندما تكلمت كان صوتها ثابتا رغم ما اعتراه من خشونة، فقالت في برود: كل هذا هراء محض، إن جلالته قد تورط في هذا بتأثير امرأة وضيعة، وكان زواجه غير قانوني وسوف يصلح كل شيء في مدى أيام قلائل، وفي الوقت عينه فإنا سوف نستمر بنفس الحالة التي بدأنا بها. والأجدر بك أن تبقى هنا، وسنرسل في طلب الكونت فريزن ثم نتدبر الأمر معا جميعا.
ولكن سيرل هز رأسه برزانة ثم قال: يجب أن تسقطيني من حسابك يا سيدتي، ومن جميع مشروعاتك المستقبلة أيضا. - ماذا تعني؟! - أعني أنني سوف أترك بادن بادن بعد ظهر اليوم. - أتتكلم بجد؟!
لست جادا في أي يوم أكثر مني الآن، إن الرجل لا يمزح حينما يرى البناء الذي شيده ودفع من شرفه في مقابل بنائه قد انهار وتحطم قطعا متناثرة، كأنما كان كتلة من القذارة.
فسألت السيدة بمرارة: ألا ترى أنك تهذي بقولك هذا الكلام في مثل هذه الأمور الخطيرة؟! - ربما كنت كذلك، وإني أعلم أني أتعبك بهذا، ولذا فإني ذاهب لو سمحت.
وتحول نحو الباب، ولكن السيدة استوقفته وسألته في تحكم: إلى أين أنت ذاهب؟ - سأذهب أولا إلى البارون كريستوف.
فهمهمت السيدة وقد رفعت يدها إلى حلقها كأنما كانت تسعل، ولكنها سرعان ما تمالكت نفسها وقالت في هدوء: أذاهب أنت لكي تفسد عملنا؟ - أنا ذاهب لأقول الحقيقة للبارون كريستوف.
صفحة غير معروفة