ويظهر أن التأليف في التصوف كان شغله الشاغل وهمه الأول، وأنه لم يعن بالتفسير والحديث إلا بمقدار ما يستعين بهما على خدمة التصوف، فقد كتب تفسيرا للقرآن بلسان صوفي يعرف بتفسير أهل الحق وبحقائق التفسير.
12
واتهم بوضع الأحاديث للصوفية، اتهمه بذلك محمد بن يوسف النيسابوري القطان فقال: «السلمي غير ثقة [أي في الحديث]، وكان يضع للصوفية.»
13
وإن كانت هذه تهمة حاول ردها عنه كل من السبكي والخطيب. والظاهر أن حرصه الشديد على تأييد تعاليم الصوفية بالأدلة النقلية من الكتاب والسنة دفع به إلى تلمس الأحاديث التي يمكنه أن يستعين بها على تحقيق مأربه مهما كان مصدرها، ولا أستبعد أنه وضع الكثير منها، فقد جعل من كل صوفي ترجم له في طبقاته محدثا يروي من الأحاديث ما يتمشى عادة مع نزعته الصوفية. وكل هذه الأحاديث واردة في الدنيا ومحاسبة النفس على حلالها وحرامها وأنها سجن المؤمن وجنة الكافر، وفي الرزق وحمد الناس عليه دون الله، وفي الرضا والسخط، ونحو ذلك مما هو أدخل في صميم التصوف. وتروى هذه الأحاديث على لسان شقيق البلخي والحارث المحاسبي وذي النون المصري وأبي يزيد البسطامي ونحوهم، ممن عرف عنهم أنهم من رواة الحديث أو من غير رواته. أما تأييده قواعد التصوف بالحديث فظاهر في طبقاته هذه وفي رسالته في الملامتية، فإنه يعقد صلة بين كل أصل من أصولهم وحديث من الأحاديث أو آية من الآيات القرآنية، وهو منهج يكاد ينفرد به السلمي في تأريخه للتصوف ورجاله، ومن أجله اتهم بالضعف والوضع للصوفية وعدم الأمانة في النقل. على أنني لا أستبعد وضعه بعض الأحاديث فحسب، بل لا أستبعد كذلك وضعه كثيرا من عبارات الصوفية على ألسنة القوم بما يتناسب مع مشاربهم ونزعاتهم؛ فإن اللفظ في معظم المناسبات له، والمعنى والنزعة لهم. على أن هذا ليس بقادح في تآليف السلمي ولا في قيمتها ومنزلتها العالية في تاريخ التصوف، فإن السلمي سيظل بالرغم من كل هذا أستاذ مؤرخي هذا العلم غير منازع. ويكفي أن يشهد له ويدافع عنه رجال لهم خطرهم في تاريخ التصوف، أمثال أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري وأبي نعيم الأصفهاني وغيرهما، ممن نقلوا عنه وأخذوا بمنهجه، واعتبروه حجة في التصوف ومرجعا ثبتا.
14
فلا تكاد تخلو صفحة من صفحات رسالة القشيري من رواية عن السلمي - لا سيما في ترجمات المشايخ - وكثيرا ما يلجأ إلى الرواية عنه أبو نعيم في حليته، والخطيب البغدادي في تاريخه، مع ما عرف عن هذا الأخير من عدم تحيزه إلى الصوفية. أما أبو نعيم فيعترف بفضل السلمي عليه حيث يقول: «قد أتينا على من ذكرهم الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي ونسبهم إلى توطين الصفة
15
ونزولها، وهو أحد من لقيناه وممن له العناية التامة بتوطئة مذهب المتصوفة وتهذيبه على ما بينه الأوائل من السلف مقتد بسيمتهم، ملازم لطريقتهم، متبع لآثارهم، مفارق لما يؤثر عن المتخرمين المتهوسين من رجال هذه الطائفة، منكر عليهم؛ إذ حقيقة هذا المذهب عنده متابعة الرسول
صلى الله عليه وسلم
صفحة غير معروفة