إن الإنسان لربه لكنود ،
إن الإنسان خلق هلوعا . أيمدح من كان بهذه الصفات أم يذم؟»
82
قد يقال كل ذلك ويتساءل القائل عن الصفة أو الصفات التي امتاز بها مذهب الملامتية من غيره. وجوابنا على ذلك أن الاتجاه الملامتي في التصوف لم يتميز عن غيره من الاتجاهات الأخرى إلا في الأمور الآتية:
أولا:
في جملته، أي من حيث هو مذهب له وحدة خاصة وصبغة معينة لا في تفاصيل المسائل الواردة فيه، وإلا فالرياء والإخلاص والصدق والعبودية وما إلى ذلك معان نراها عند الصوفية على اختلاف طبقاتهم، فالذي يمتاز به المذهب الملامتي هو تأليف وحدة منسجمة من هذه المعاني التي لا توجد في مذاهب غير الملامتية إلا في صور فردية غير ملتئمة، ثم محاولة تطبيق هذه المعاني وتحقيقها في الحياة العملية. ولا أدري لغير الملامتية نظاما محكما منسقا يرمي إلى إنكار الذات ومحو آثار النفس كنظامهم.
ثانيا:
فيما فهمه الملامتية في المصطلحات الصوفية من معان سلبية. وهذه النواحي السلبية هي المقصودة في الطريق الملامتي لأنها موضع المجاهدة والمحاربة. أما المعاني الإيجابية فأمور يلقيها الله في القلب إلقاء على سبيل المنة والفضل، فالملامتي لا يكتسب الإخلاص أو الصدق في طريقه؛ لأن الإخلاص والصدق صفتان يمنحهما الله للسالك إليه إذا أزال هو بمجاهدته ورياضته عوائق الإخلاص والصدق، أي إذا داوم على اتهام نفسه وعلى محاربة ريائه وعجبه.
ثالثا:
في ذلك المنظار الأسود الذي نظروا إلى النفس من خلاله وأنكروا عليها كل حسنة من حسناتها، وسلبوها وجودها الحقيقي وإرادتها وعلمها، وحرموها كل لذة حتى لذة الطاعات، وكل فكرة حتى فكرة حب الله أو القرب منه، وحسبوها جديرة بكل شر وإثم وقبح. وهذه نظرة لا أشك في أنها غير إسلامية.
صفحة غير معروفة