بين
وأما سورة سبأ فإن قصة سبأ لم يرد فيها أيضًا فى غير هذه السورة إلا الإيماء الوارد فى قوله فى سورة النمل "وجئتك من سبإ بنبإ يقين " فلما تضمنت سورة سبأ من هذا ما تضمنت ومن قصص داود وسليمان ﵉ وما منحهما الله ﷾ من تسخير الجبال والطير والجن وإلانة الحديد ولم يجتمع مثل هذا التعريف فى سواها افتتحها سبحانه بحمده وانفراده بملك السماوات والأرض وما فيهما وأنه أهل الحمد فى الدنيا والآخرة
وأما سورة فاطر ففيهما التعريف بخلق الملائكة ﵈ وجعلهم رسلا أولى أجنحة إلى خلق السماوات والأرض وامساكهما ان تزولا وانفراده بذلك ولم يقع هذا التعريف فى غيرها من سور القرآن فناسب هذه المقاصد المفردة التى لم ترد فى غير هذه السور ما افتتحت به ولا يلزم على هذا اطراد ذلك فى كل سورة انفردت بحكم أو تعريف ليس فى غيرها بل جواز ذلك منسحب على الجميع واختصاص هذه السور بذلك واضح لانفرادها بما ذكرناه
والجواب عن السؤال الثالث: أن أم القرآن لما كانت أول سورة ومطلع آياته وهو المبين لكل شئ والمعرف بوحدانيته سبحانه وانفراده بالخلق والاختراع وملك الدارين فناسب ذلك من أوصافه العلية ما يشير إلى ذلك كله من أنه رب العالمين وأنه الرحمن الرحيم وأنه ملك يوم الدين حتى تنقطع الدعاوى وتظهر الحقائق ويبرز ما كان خبرا إلى العيان وهذا واضح
وأما مناسبة الوصف الوارد فى سورة الأنعام فمن حيث ما وقع فيها من الإشارة إلى من عبد الأنوار وجعل الخير والشر من الظلمة فافتتحها تعالى بوصفه بأنه خالق السماوات والأرض وهى الأجرام التى عنها الظلمات وفيها الأجرام النيرات وذكر تعالى أنه خالق الأنوار وأعاد سبحانه ذكر ما فيه الدلالة البينة على بطلان مذهب من عبد النيرات أو شيئا منها فى قوله تعالى: "وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض " الآيات فقال: "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا " ثم قال ﵇ على جهة الفرض لإقامة الحجة على قومه: "هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين " ثم قال ذلك فى الشمس والقمر مستدلا بتغيرها وتقلبها فى الطلوع والغروب على أنها حادثة مربوبة مسخرة طائعة لموجدها المنزه عن سمات التغير والحدوث فقال ﵇ عند ذلك لقومه: "إنى برئ مما تشركون " فأخبر عن حاله قبل هذا الاعتبار وبعده.
قال تعالى: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران: ٦٧) " وفى طي قوله: "وما كان من
1 / 14