ثم يتجه عباس حافظ بعد ذلك إلى واقعة مشابهة، قائلا: «ولم يكتف الأستاذ بهذا، بل عمد بعد ذلك إلى مقال طوال في مجلة أدبية كبيرة بقلم كاتب مصري مفكر كان يدور حول نقد كتاب «سر تطور الأمم» لمؤلفه جوستاف لوبون، وعربه الأستاذ فتحي زغلول. فاجترأ على انتحال كل آراء الرجل وأفكاره.»
وبعد هذه المقدمة التشكيكية في قدرات لطفي جمعة الأدبية، واتهامه بالسرقة العلمية، فجر عباس حافظ مفاجأته بأن مسرحية «قلب المرأة» ليست من بنات أفكار لطفي جمعة، قائلا: «إن موضوعها لا يمكن أن يكون من ابتكار المؤلف؛ لأن الروح الإفرنجية مطردة في أكثر أجزائها، وأن الأسماء الروسية والإيطالية والفرنسية تدعو إلى الدهشة والاتهام والاسترابة، ولا سيما إذا ذكرنا الحوادث القديمة التي سردناها الآن للناس ... وقد عمدنا إلى البحث والتنقيب، فأدركنا أن صاحب رواية اليوم انتحل موضوعها انتحالا مشوها من روايتي أوجييه، وهما زواج أولمب وجبريل ... وهناك مصادر أخرى في هذا الموضوع بذاته نخص منها روايات بول بورجيه، وهي «قلب المرأة»، و«جريمة حب»، و«تقلبات القلب»، ورواية «ليزالتو رجنيف الروسي».»
ويستمر بعد ذلك عباس حافظ في إلقاء اتهاماته على صاحب المسرحية، موجها سهامه السامة إلى المسرحية وأشخاصها باسم النقد،
8
ذلك النقد الهدام. ومن الغريب أن لطفي جمعة لم يرد على هذا الكلام، ولم يسجل في كل ما كتبه أي شيء حول هذا النقد القاسي، أو حول عباس حافظ نفسه، بل ولم يرفع قضية ضده في المحاكم - وهو المحامي الفذ - ولا نعلم سبب هذا الصمت المريب من قبل لطفي جمعة نحو عباس حافظ. على الرغم من أن عباس حافظ أرسل رسالة إلى لطفي جمعة، بعد عام من كتابة هذه المقالات، نشعر منها بأن عباس حافظ نادم أشد الندم على ما كتبه في حق لطفي جمعة، ويبرر ذلك بأنه كان مدفوعا له.
9
ومن محاسن الصدف أنني وجدت سلسلة أخرى من المقالات،
10
كتبها محمد الهراوي - الكاتب الأول لدار الكتب السلطانية - في جريدة «الأفكار»، هي في الظاهر نقد لمسرحية «قلب المرأة»، وفي الباطن رد على مقالات عباس حافظ. وفي هذه المقالات - التي نشرت يوميا ابتداء من 9 / 4 / 1916 إلى 17 / 4 / 1916 - وجدنا الكاتب يؤكد على أن المسرحية، نوع جديد في التأليف المصري لم يسبق إليه قلم عربي، قائلا بعد ذلك: «ويصح إذن أن تكون هذه الرواية علما على تلك الأطوار المختلفة التي عمد المؤلف إلى إظهارها للناس «على المكشوف» وأراد أن يذيقهم طعمها «بالكأس المر» وأن يلمسهم وقعها «بوخز الإبر» وتلك خطة فرنسية محضة احتذى فيها المؤلف ديماس الصغير حذو الكف بالكف.»
أما إيجابيات وسلبيات المسرحية، فيقول عنها الناقد: «فمن مزاياها أن المؤلف، وإن رمى فيها إلى غرض مقصود، فإنه لا يتقيد أمام الجمهور بهذا الغرض. ومنها أنه يطلق للمتفرجين ملكة التفكير وقوة الاستنباط وحرية الإرادة. ومنها أن الرواية، أو الحوادث، هي التي تأخذ مجراها في النفوس بطبيعتها فلا تثقل بغرض قد لا تنهض به أو لا يخف هو إذا كانت أشد منه، ومنها ... ومنها ... وأما مساوئها فمنها أن في كل شيء غرضا وإذا لم يظهر هذا الغرض فلا معنى لهذا الشيء. ومنها أن صاحب الغرض يجب أن يكون مسئولا عنه مدافعا له، وحوادث الرواية هي لسان الدفاع. ومنها أن الجمهور يدخل إلى المسرح وفكره محصور في معرفة غرض الرواية الظاهر منها فإذا خفي عليه اضطرب رأيه بتشويش الحوادث.»
صفحة غير معروفة