وهكذا فإنه لم يبق مجال للتردد؛ فالدروج درجت في الكهوف عند خراب قمران بين السنة 66 والسنة 70 بعد الميلاد حرصا عليها، وضنا بكرامتها وقدسيتها. هذا ما يقول جمهرة العلماء، ولا سيما الأب دي فو والدكتور باروز.
7
نسخ الدروج
وإذا كان استنساخ أحدث الدروج عهدا تم قبل السنة 70 بعد الميلاد، سنة درج الدروج في كهوفها، فما هو الزمن الذي تم فيه استنساخها بالضبط؟
يلاحظ في الإجابة عن هذا السؤال أن الكشف عن آثار قمران دل على أن سكان هذه الخرائب كانوا يعنون باستنساخ الأسفار المقدسة وغيرها، وأنهم أفرزوا لهذه الغاية قاعة معينة فأقاموا فيها الموائد والمقاعد للكتابة، وأنشئوا المغاسل للتطهير قبل البدء بالعمل نظرا لقدسية ما يفعلون. ويلاحظ أيضا أن بعض محابرهم لا تزال باقية حتى يومنا هذا، وأن حبرها لا يزال راسبا في قعورها، وأن هذا الحبر هو من نوع الحبر الذي كتبت به الدروج، وهو مزيج من الكاربون التجاري غير النقي ومن شيء من الماء ومادة صمغية، خال من المواد المعدنية كما أبان ذلك الدكتور مارولد بلندر لايت
العالم الخبير في المتحف البريطاني. وهكذا فإنه يجوز القول: إن بعض الدروج استنسخ في قمران نفسها ، يوم كانت آهلة بالمتزهدين المتعبدين؛ أي: بين أواخر القرن الثاني قبل الميلاد والسنة 70 بعد الميلاد.
8
وإذا كان بعض هذه الدروج قد استنسخ في قمران في الزمن الذي ذكرنا، فمتى تم استنساخ البعض الآخر؟ ولا بد من أخذ هذه الإمكانية بعين الاعتبار؛ لأنه ليس هنالك ما يثبت أن زهاد قمران امتنعوا عن ادخار ما لم يستنسخوا في قمران نفسها. وفي الإجابة عن هذا السؤال لا بد من التدقيق في هذه الدروج من ناحيتها الفنية الخطية؛ أي: من الناحية الباليوغرافية
. ورب معترض يقول: وهل لدى العلماء عدد كاف من نماذج الخطوط العبرية في العصور القديمة يخولهم سلامة الاستنتاج في تعيين زمن الكتابة؟ فنجيب: إنه ليس هنالك ما يكفي لتحديد زمن الكتابة بالضبط، ولكن هنالك ما يكفي للقول بأن كتابة ما قد تمت في أثناء قرن معين أو نصف قرن معين. وقد يكون هنالك ما يكفي للقول: إن كتابة ما تمت في أثناء خمس وعشرين سنة محددة.
وليس لدينا مخطوطات «مؤرخة» تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد أو إلى القرن الأول قبل الميلاد، فتصلح للمقابلة مع خطوط هذه الدروج لتعيين تأريخها بالضبط، ولكن هنالك نقوشا كتابية تعود إلى النصف الأول من القرن الأول بعد الميلاد، ونقوشا أخرى تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد يمكن اعتمادها واتخاذها مدارا للتطبيق. وبعض هذه النقوش من النوع الغرافيتي الذي لا يختلف كثيرا عن الكتابة بالحبر على رق أو ورق بردي. والإشارة هنا إلى أسماء الأموات التي خطت بسرعة بزاوية إزميل على النواويس الحجرية لدى درج الجثث فيها. ومعظم هذه النقوش الغرافيتية يعود إلى النصف الأول من القرن الأول بعد الميلاد.
صفحة غير معروفة