15
خربة قمران
وكان من الطبيعي أن يربط العلماء بين الكهوف التي كشفوا في صخور قمران وبين ركام قديم قام في السهل عند أسفل هذه الكهوف على بعد 750 مترا عنها، فعادوا يستقصون أخبار هذه الخربة، وينظرون فيما قاله فيها العلماء الباحثون، فوجدوا أن دي ساسي الذي زارها في السنة 1851 اعتبرها آثار عامورة، وأن كليرمون غافو الذي أطل عليها في السنة 1873 رآها رومانية، وكذلك دالمان في السنة 1920، ثم اعتبرها مرتينوس نوث مدينة الملح التي ورد ذكرها في سفر يشوع (15 : 62)، وكانت قبورها العديدة التي اتجهت شمالا قد استرعت نظر كليرمون غانيو، فأكد أنها تقدمت ظهور الإسلام، فرأى هاردينغ ودي فو في السنة 1949 أن يكشفا عن بعض هذه القبور، فوجداها بسيطة جدا خالية من أي زخرف أو مجوهرات، ووجدا الهياكل ملقاة على الظهر متجهة نحو الشمال مصلبة الأيدي، فافترضا أن سكان هذه الخربة كانوا من أهل الزهد مرتبطين بقوانين وتقاليد معينة.
محبرة من الخزف.
وألح عدد من العلماء على الكشف عن هذه الأخربة؛ لاستيضاح أمر المخطوطات في الكهوف المجاورة، فعاد هاردنغ ودي فو إلى الحفر والتنقيب في خريف السنة 1951، وشرعا في عمل علمي فني منظم استغرق مدة من الزمن، واستوجب متابعة العمل أربعة فصول متتالية بين السنة 1953 والسنة 1956، وأدى أيضا إلى الكشف عن خريبة أخرى تقع إلى الجنوب من قمران بالقرب من عين الفشخة.
16
وتشغل أخربة قمران بمجموعها مساحة من الأرض تقدر على وجه التقريب بثمانين مترا في ثمانين، وهي تتألف من بناء رئيسي وأجنحة ومقابر، والبناء الرئيسي يتألف من صحن مفتوحة من أعلاها تحيط بها من جهاتها الأربع أبنية متفاوتة الشكل والارتفاع. وأول ما يلفت النظر من هذه برج ذو دورين يقوم عند الزاوية الشمالية الغربية، ويتصل به من الجنوب، ويشغل ما تبقى من الضلع الغربي من البناء الرئيسي قاعة كبيرة بمقاعد ملاصقة لجدرانها، ويتصل بهذه القاعة من الشرق قاعة أخرى طولها ثلاثة عشر مترا وعرضها أربعة، أهم ما فيها موائد للكتابة مصنوعة من الآجر ومطلية بالجص. وهنالك موائد أخرى تحمل مغاسل لغسل الأيدي قبل البدء بالكتابة. وقد وجد على موائد الكتابة محابر من البرونز والخزف لا تزال تحفظ في قعرها بقايا ناشفة من الحبر الأسود.
ويلاصق البرج من الشرق بناء خصص للمطابخ، وفيه المواقد وغيرها مما يلزم لإعداد الطعام. أما مغاسل الثياب ونحوها والمصابغ فإنها تقع في أبنية قائمة في الضلع الشرقي من هذا البناء الرئيسي، بالقرب من صهريج كبير؛ بل بين صهريجين كبيرين، أحدهما في الضلع الشرقي والآخر في الضلع الجنوبي. ويقوم إلى الجنوب من الصهريج الجنوبي بناء طوله اثنان وعشرون مترا، وعرضه أربعة أمتار ونصف المتر. وهو في نظر رجال الاختصاص قاعة الاجتماع تتلى فيها النصوص المقدسة والشروح عليها، وتقام الأدعية والصلوات وتقدم وجبة الطعام المقدسة. وقد عثر في زاوية هذه القاعة الجنوبية الغربية على صحون مكسرة استعملت قبيل الخراب، ووجد أيضا في غرفة ملاصقة أكثر من ألف صحن محفوظة للاستعمال عند الحاجة.
وأهم ما في الأجنحة التابعة لهذا البناء الرئيسي الصهاريج التي كانت تحفظ ما يتدفق من مياه الشتاء لاستعماله في أيام القيظ. وهنالك أيضا مصانع ومشاغل كان لا بد من الاعتناء بها.
17
صفحة غير معروفة