ثم قلت: وزعم أن القربة تستحق بالأسباب الثابتة، وبالأرحام الشابكة، وبالقدمة، والطاعة للآباء والعشيرة، وبالشكر النافع، والمديح الكافي بالشعر الموزون الذي يبقى بقاء الدهر، ويلوح ما لاح نجم، وينشد ما أهل بالحج، وما هبت الصبا، وما كان للزيت عاصر، وبالكلام المنثور والقول المأثور. أو بصفة مخرج الدولة والاحتجاج للدعوة، وتقييد المآثر، إذ لم يكن ذلك من عادة العجم، ولا كان يحفظ ذلك معروفا لسوى العرب. ونحن نرتبطها بالشعر المقفى، ونصلها بحفظ الأميين. الذين لا يتكلون على الكتب المدونة، والخطوط المطرسة. ونحن أصحاب التفاخر والتنافر، والتنازع في الشرف، والتحاكم إلى كل حكم مقنع وكاهن سجاع. ولنا التعاير بالمثالب، والتفاخر بالمناقب. ونحن أحفظ لأنسابنا، وأرعى لحقوقنا وتقييدها أيضا بالمنثور المرسل، بعد الموزون المعدل، بلسان أمضى من السنان، وأرهف من السيف الحسام، حتى نذكرهم ما قد درس رسمه، وعفا أثره.
وبين القتال من جهة الرغبة والرهبة فرق، وليس المعرق في الحفاظ كمن هذا فيه حادث. وهذا باب يتقدم فيه التالد القديم الطارف الحديث.
وطلاب الطوائل رجلان: سجستاني وأعرابي. وهل أكثر النقباء إلا من صميم العرب، ومن صليبة النسب، كأبي عبد الحميد قحطبة بن شبيب الطائي، وأبي محمد سليمان بن كثير الخزاعي، وأبي نصر مالك بن الهيثم الخزاعي، وأبي داود خالد بن إبراهيم الذهلي، وكأبي عمرو لاهز بن قريظ المرئي، وأبي عتيبة موسى بن كعب المرئي، وأبي سهل القاسم بن مجاشع المرئي، ومن كان يجري مجرى النقباء ولم يدخل فيهم، مثل مالك بن الطواف المزني.
صفحة ٢٢