مالكًا ولا الشافعي ولا الثوري وتعلموا كما تعلمنا. وكان يقول من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال. وقال لا تقلد دينك الرجال فانهم لن يسلموا من أن يغلطوا. وقال ابن عبد البر أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودًا من أهل العلم وأن العلم معرفة الحق بدليله.
ولهذا جعل الفقهاء من شروط القاضي أن يكون مجتهدًا فلا يصح أن يتولاه المقلد. هذا الذي عليه جمهور العلماء قال في الإفصاح١ اتفقوا على أنه لا يجوز أن يولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة فإنه قال يجوز ذلك. وقال الموفق في المغني٢. يشترط في القاضي ثلاثة شروط (أحدها) الكمال وهو نوعان كمال الأحكام وكمال الخلقة (والثاني) العدالة (والثالث) أن يكون من أهل الاجتهاد وبهذا قال مالك والشافعي وبعض الحنفية وقال بعضهم يجوز أن يكون عاميًا فيحكم بالتقلد لأن الغرض فصل الخصومات فإذا أمكنه ذلك بالتقليد جاز كما يحكم بقول المقومين ولنا قوله تعالى ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ ولم يقل بالتقليد وقال ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ وقال ﴿فافَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ وروى بريدة عن رسول الله ﷺ أنه قال: " القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار" رواه ابن ماجه (١) والعامي يقضى على جهل ولأن الحكم آكد من الفتيا لأنه فتيا وإلزام، والمفتي لا يجوز أن يكون مقلدًا فالحاكم أولى انتهى.
وقال في الإنصاف (٢) ويشترط القاضي أن يكون مجتهدًا هذا المذهب المشهور وعليه معظم الأصحاب، قال ابن حزم يشترط كونه مجتهدًا إجماعًا وقال أجمعوا على أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل فلا يحكم ولا يفتي إلا بقوله، وقال في الإفصاح الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة وأن الحق لا يخرج عنهم واختار في الترغيب ومجتهدًا٣ في مذهب إمامه للضرورة. واختار في الإفصاح والرعاية ومقلدًا
_________
١ الإفصاح عن شرح معاني الصحاح –أي أحاديث الصحيحين لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الوزير المتوفي سنة ٥٦٠.
٢ المغني في فقه المذاهب الإسلامية للشيخ موفق الدين بن قدامة الحنبلي المتوفي سنة ٦٢٠.
٣رواه أصحاب السنن والحاكم، وهذا لفظ ابن ماجة.
٤ يوجد عدة كتب سميت (الإنصاف في مسائل الخلاف) أحدها للقاضي أبو بكر بن العربي المالكي المتوفي سنة ٥٤٣ وثانيها لأبي سعد محمد بن يحيى النيسابوري الشافعي المتوفي سنة ٥٤٨ وثالثها للحافظ أبي الفرج بن الجوزي الحنبلي المتوفي سنة ٥٩١ والظاهر أن هذا الأخير هو المراد هنا فقوله: معظم الأصحاب يعني به الحنابلة.
٥ الظاهر أنه معطوف على محذوف منصوب.
1 / 42