ولو لم يدخل على الحاسد بعد تراكم الغموم على قلبه، واستمكان الحزن في جوفه، وكثرة مضضه ووسواس ضميره، وتنغص عمره وكدر نفسه ونكد عيشه، إلا استصغاره نعمة الله عليه، وسخطه على سيده بما أفاد غيره. وتمنيه عليه أن يرجع في هبته إياه، وأن لا يرزق أحدا سواه، لكان عند ذوي العقول مرحوما، وكان لديهم في القياس مظلوما. وقد قال بعض الأعراب: " ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم ". والحاسد مخذول وموزور، والمحسود محبوب ومنصور. والحاسد مغموم ومهجور، والمحسود مغشي ومزور.
والحسد - رحمك الله - أول خطيئة ظهرت في السموات، وأول معصية حدثت في الأرض، خص به أفضل الملائكة فعصى ربه، وقايسه في خلقه، واستكبر عليه فقال: " خلقتني من نار وخلقته من طين "، فلعنه وجعله إبليسا، وأنزله من جواره بعد أن كان أنيسا، وشوه خلقه تشويها، وموه على نبيه تمويها نسي به عزم ربه، فواقع الخطيئة، فارتدع المحسود وتاب عليه وهدى، ومضى اللعين الحاسد في حسده فشقي وغوى.
وأما في الأرض فابنا آدم حيث قتل أحدهما أخاه، فعصى ربه وأثكل أباه. وبالحسد طوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين.
صفحة ٦