203

رسائل الجاحظ

محقق

عبد السلام محمد هارون

الناشر

مكتبة الخانجي، القاهرة

سنة النشر

1384 ه - 1964 م

تصانيف

البلاغة

ألا ترى أن اليونانيين الذين نظروا في العلل لم يكونوا تجارا ولا صناعا بأكفهم، ولا أصحاب زرع وفلاحة، وبناء وغرس، ولا أصحاب جمع ومنع وكد. وكانت الملوك تفرغهم، وتجري عليهم كفايتهم، فنظروا حين نظروا بأنفس مجتمعة، وقوة وافرة، وأذهان فارغة، حتى استخرجوا الآلات والأدوات، والملاهي التي تكون جماما للنفس، وراحة بعد الكد، وسرورا يداوي قرح الهموم، فصنعوا من المرافق، وصاغوا من المنافع، كالقرسطونات، والقبانات، والأسطرلابات، وآلة الساعات، وكالكونيا، والكسيران، والبركار، وكأصناف المزامير والمعازف، والطب والحساب، والهندسة، واللحون، وآلات الحرب، وكالمجانيق، والعرادات، والرتيلات، والدبابات، وآلاة النفاطين، وغير ذلك مما يطول ذكره.

وكانوا أصحاب حكمة، ولم يكونوا فعلة. يصورون الآلة، ويخرطون الأداة، ويصوغون المثل ولا يحسنون العمل بها، ويشيرون إليها ولا يمسونها، يرغبون في التعليم، ويرغبون عن العمل.

صفحة ٢١٥