200

رسائل الجاحظ

محقق

عبد السلام محمد هارون

الناشر

مكتبة الخانجي، القاهرة

سنة النشر

1384 ه - 1964 م

تصانيف

البلاغة

وباب آخر مما كان يدعوهم إلى الرجوع قبل ثني العزم والعادة المنقوضة: وذلك أن الترك قوم يشتد عليهم الحصر والجثوم، وطول البث والمكث، وقلة التصرف والتحرك. وأصل بنيتهم إنما وضع على الحركة، وليس للسكون فيهم نصيب، وفي قوى أرواحهم فضل على قوى أبدانهم، لأنهم أصحاب توقد وحرارة، واشتعال وفطنة، كثيرة خواطرهم، سريع لحظهم. وكانوا يرون الكفاية معجزة، وطول المقام بلدة، والراحة عقلة والقناعة من قصر الهمة، وأن ترك الغزو يورث الذلة.

وقد قالت العرب في مثل ذلك: قال عبد الله بن وهب الراسبي: " حب الهوينى يكسب النصب ".

والعرب تقول: " من غلا دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء ".

وقال أكثم بن صيفي: " ما أحب أني مكفي كل أمر الدنيا "، قيل: ولم؟ قال: " أخاف عادة العجز ".

فهذه كانت علل الترك في حب الرجوع، والحنين إلى الوطن.

صفحة ٢١٢