رسائل الجاحظ
محقق
عبد السلام محمد هارون
الناشر
مكتبة الخانجي، القاهرة
سنة النشر
1384 ه - 1964 م
تصانيف
وزعمت أن هؤلاء وإن اختلفوا في بعض اللغة، وفارق بعضهم بعضا في بعض الصورة، فقد نجد أن عليا تميم، وسفلى قيس، وعجز هوازن، وفصحاء الحجاز، خلاف لغة حمير وسكان مخاليف اليمن، وكذلك الصورة والصورة، والشمائل والشمائل، والأخلاق والأخلاق. وكلهم مع ذلك عربي خالص غير مشوب، ولا معلهج ولا مذرع ولا مزلج. ولم يختلفوا كاختلاف ما بين قحطان وعدنان، من قبل ما طبع الله عليه تلك التربة من خصائص الغرائز، وما قسم لأهل كل جزيرة من الشكل والصورة، ومن الأخلاق واللغة.
فإن قلت: وكيف صار أولادهما جميعا عربا، مع اختلاف الأبوة؟ قلنا: إن الجزيرة لما كانت واحدة فاستووا في التربة وفي اللغة، وفي الشمائل والهمة، وفي الأنف والحمية، وفي الأخلاق والسجية، فسبكوا سبكا واحدا، تشابهت الأجزاء وتناسبت الأخلاط، حتى صار ذلك اشد تشابها في باب الأعم والأخص، وفي باب الوفاق والمباينة من بعض الأرحام، وجرى عليهم حكم الاتفاق في الحسب، وصارت هذه الأسباب ولادة أخرى حتى تناكحوا عليها، وتصاهروا من أجلها. وامتنعت عدنان قاطبة من مناكحة بني اسحاق، وهو أخو إسماعيل، وجادوا بذلك في جميع الدهر لبني قحطان.
ففي إجماع الفريقين على التناكح والتصاهر، ومنعهما ذلك جميع الأمم، ككسرى فمن دونه، دليل على أن النسب عندهم متفق، وأن هذه المعاني قد قامت عندهم مقام الولادة والأرحام الماسة.
صفحة ١٧٠