وأنتم أيها العلماء عصابة مشهورة، وبالورع مذكورة، وإلى عبادة الله منسوبة، وبدراسة القرآن معروفة، ولكم في أعين الناس مهابة، وفي المدائن والأسواق مكرمة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويرهبكم من لا فضل لكم عليه، يبدأ بكم عند الدعوة والتحفة، ويشار إليكم في المجالس، وتشفعون في الحاجات إذا امتنعت على الطالبين، وآثاركم متبعة، وطرقكم تسلك، كل ذلك لما يرجوه عندكم من هو دونكم من النجاة في عرفان حق الله تعالى، فلا تكونوا عند إيثار حق الله تعالى غافلين، ولأمره مضيعين، فتكونوا كالأطباء الذين أخذوا ثمن الدواء واعطبوا المرضى، وكرعاة استوفوا الأجر وضلوا عن المرعى، وكحراس مدينة أسلموها إلى الأعداء، هذا مثل علماء السوء.
لا مالا تبذلونه لله تعالى، ولا نفوسا تخاطرون بها في جنب الله تعالى، ولا دارا عطلتموها، ولا زوجة فارقتموها، ولا عشيرة عاديتموها.
فلا تتمنوا ما عند الله تعالى وقد خالفتموه، فترون أنكم تسعون في النور، وتتلقاكم الملائكة بالبشارة من الله عز وجل؟ كيف تطمعون في السلامة يوم الطامة؟! وقد أخدجتم الأمانة، وفارقتم العلم، وأدهنتم في الدين، وقد رأيتم عهد الله منقوضا، ودينه مبغوضا، وأنتم لا تفزعون ومن الله لا ترهبون. فلو صبرتم على الأذى، وتحملتم المؤنة في جنب الله لكانت أمور الله صادرة عنكم، وواردة إليكم.
عباد الله لا تمكنوا الظالمين من قيادكم بالطمع فيما بأيديهم من حطام الدنيا الزائل، وتراثها الآفل، فتخسروا حظكم من الله عز وجل.
عباد الله استقدموا إلى الموت بالوثيقة في الدين، والاعتصام بالكتاب المتين، ولا تعجبوا بالحياة الفانية، فما عند الله هو خير لكم، وإن الآخرة هي دار القرار.
صفحة ٧٠