--- وقد علمت رحمك الله أن آكلها فاسق، ومستحلها كافر، فينبغي أن يكون التحري في الإقدام على الظنون والأوهام، والاغتياب أعظم من التجري والتشكك في الترك، فالخطأ في الترك أخف من الخطأ في الفعل في الأكثر، فليس لك رحمك الله أن تأخذ بقول مغتاب عتاب، قد خلص إلى حزب الشيطان، وخرج من حزب الرحمن، يقول بما لا يعلم, ويعتمد على ما يجهل، حتى قال فلان عقد وأرذم, ونقض العهد والذمم، فإن الأمر عظيم, والخطر في ذلك جسيم. قال علي عليه السلام: (( أيها الناس من عرف من أخيه وثيقة دين, وسداد طريق، فلا يسمعن فيه أقاويل الناس، أما أنه قد يرمي الرامي وتخطئ السهام )).
واعلم أيدك الله أنه لا يحل لمسلم أن يرمي مسلما بأنه نقض العهود والذمم, من غير أن يتحقق ولا يعلم، ولقد كان ينبغي لو علم ذلك وتحققه, أن يستر على أخيه ويرحمه, ويحمد الله تعالى على معافاته من مثل ذنبه، ويشكره عز وجل على ستره عليه في ذنوبه، وأنه كتم عليه تعالى ما كان يكره أن يظهر على غيره، فما من أحد إلا وله ذنب، فكيف يعيب أخاه بذنب لم يتحققه , وينسى ستر الله عز وجل عليه في ذنوبه، فلا يلحقنا غم ولا حزن والحمد لله إلا مخافة أن تهلك الأمة أنفسها فينا بظنون السوء، وقبول الغيبة والكذب, مع طلبنا لصلاحها, وتحرينا بجهدنا لسدادها، فنسأل الله تعالى أن يعظم لنا الأجر، ويحملنا على مطايا الصبر, حتى لا نهلك فيمن هلك, ولا نعطب فيمن عطب.
صفحة ٥٠