--- أما ما ذكرته أيدك الله من حوادث نجران، وما جرى فيها من قتل الأسير, والإجهاز على الجريح، والقتل على الذمة، فلسنا نعتذر في قتل الأسير والإجهاز على الجريح، فإن ذلك هو حكم الكتاب والسنة، وبمثل ذلك يتقرب إلى الله قال تعالى: { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } وما قتلنا أسيرا قد فاء إلى أمر الله عز وجل ولا رجع إلى طاعته، ولا قتلنا إلا من له فئة يرجع إليها، ولا كان أحد من أولئك الأعراب الجفاة براجع إلى ذلك ولا معتمد عليه, ولا قاتلونا على بصيرة, ولا قاتل أكثرهم على شبهة لحقته، وإنما قاتلوا على الجهل والحمية حمية الجاهلية، والتصميم على الظلم الظاهر ، فبينهم وبين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله تفرقة ظاهرة, إن كان أشكل عليك ترك علي عليه السلام لبعض أسرى أهل البغي، ومسامحته له في القتل، وقد أمر علي عليه السلام بقتل ابن اليثربي بعد أن أسره عمار رضي الله عنه، وما قتله بقصاص، لأن ولي القصاص غيره عليه السلام، وغيره قاتله، وإنما قتله لمجرد بغيه، فقال بعض العلماء ذلك لأن الفئة كانت باقية، والحرب قائمة, ونحن فعلنا كمثل ذلك، فإن حربهم ما كانت بمنقضية لو قدروا على أمر من الأمور، وأيضا فإنا ما قتلنا إلا من خشينا منه الفساد والمكر، وقتل المفسد جائز بحكم الكتاب، قال تعالى: { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين إينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقيلا } وقد نص الإمام صلوات الله عليه على جواز قتل المفسد لغير الإمام، وكذلك حكم السيد أبو طالب عليه السلام, والقوم الذين لقيناهم في تلك الحرب هم كانوا من شياطين الإنس, وفراعنة العرب, ودهاة القبائل, من خولان ومذحج وهمدان، وكان مكرهم شديدا, وفسادهم عظيما، ولو استولوا على الأمر في تلك الفتنة لأهلكوا الحرث والنسل، ولا يعرف هذا إلا من له خبرة
صفحة ٤٧