مجموع رسائل الحافظ العلائي
محقق
وائل محمد بكر زهران
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
مكان النشر
القاهرة - جمهورية مصر العربية
تصانيف
أن الشهادة إذا أريد بها الشهادة على الأعمال المشاهدة أضيفت إلى من يشاهد ذلك منه كما في قوله تعالى: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ (١) فخص ذلك بالموجودين من أمته في زمنه، وكذلك قوله تعالى عن عيسى ﵇: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ (٢) فبين أن شهادته على أعمالهم مختصة بحال حياته فيهم؛ فأما قوله تعالى: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (٣) فإن هذا ليس خطابًا للموجودين حينئذ فقط؛ بل لكل الأمة إلى قيام الساعة فيكون النبي ﷺ حجة على كل أمته كما كان مبعوثًا إليهم إلى قيام الساعة.
وإذا ثبت أن المراد بقوله تعالى: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (٤) كونه حجة عليهم، فكذلك قوله تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (٥) بمعنى الحجة عليهم فيكون العصر الأول من الأمة إذا أجمعوا على شيء كان قولهم حجة على من بعدهم إلى قيام الساعة كما كان النبي ﷺ حجة، ولأن حجة اللَّه إذا ثبتت في وقت فهي ثابتة أبدًا، ومن حيث دلت الآية على صحة إجماع الصدر الأول دلت على صحة إجماع الأعصار التي بعدهم؛ إذ الخطاب لكل الأمة ولم تخصص الآية أهل عصر دون أهل عصر.
ولا يقال: الخطاب ليس لكل الأمة؛ لأنه لا يتناول المعدوم لأنا نقول: لا فرق بين هذا وبين قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ (٦) وسائر نظائره؛ فإن هذا يتناول الأمة ولا يختص بالموجودين في ذلك الوقت، وكذلك جميع تكاليف اللَّه تعالى وأوامره ونواهيه خطاب لجميع الأمة.
_________
(١) النساء: الآية ٤١.
(٢) المائدة: الآية ١١٧.
(٣) البقرة: الآية ١٤٣.
(٤) البقرة: الآية ١٤٣.
(٥) البقرة: الآية ١٤٣.
(٦) البقرة: الآية ١٨٣.
1 / 110