المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
تصانيف
قتل المأمون أخاه، وقتل المنتصر أباه، وقاسم بن المهدي أمه، وقتل المعتضد عمه، ولنكتفي بالقليل عن الكثير، هذا الجالس اليوم على السرير ببغداد إذ قتل أباه في الحمام، وأذاقه كأس الحمام، وقتل الطرنجي بالفيتقية، وابن يحيى الفارس، وهما نديماه وكتيماه، وقتل خاصته في الوداد بغير طاعة رب العباد المسمى نفحه الحسني، وكان سكرانا ندم على قتله وحاول قتل نفسه أسفا على فراقه، وقتل الفقيه الحنبلي بالقرية المعروفة بالحربية لما أنكر عليه شرب الخمر ونقر الدفوف والحنوك والمزامير والعيدان، وقال له: لقد جمعت ما حرم الله على عباده على أعيان الناس في الحرافة، وقال: ما هكذا بايعتك يا ولد العباس، اشهدوا أني قد خلعت بيعته. فأمر به فأحضر إليه، ووسطه بالسيف، وترك في كل ناحية منه جزءا، وصلب الكرخي العابد على باب العامة ولما أراد الحج حلق شعره، وتركه في محمل، ووقف به المواقف كلها، وعلى الجمار، وعند المشعر، ويطوف به ويسعى فهذا دين الإسلام (أو) غيره؟ فوالله يمينا يعلم الحكيم العليم صدقها، ونرجو عند الله تعالى أجرها وبرها لو لم يكن لهذه الأمة جرم في دين الله إلا موالاة بني أمية وبني العباس واعتقاد إمامتهم وتقليدهم أمورهم، وذلك كفر، لكان كافيا في الكفر بنص القرآن الكريم يعرفه كل ذي قلب سليم، وهو مع ذلك خلاف المعلوم من دين الرسول؛ لأن الولاء والبراء معلومان من دينه ضرورة، فكيف والحكيم سبحانه يقول: ?لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم?[المجادلة:22] ومن نفى الباري تعالى إيمانه بالله ورسوله وباليوم الآخر، فهل بقي له من الإيمان مسلك، وعن الكفر مترك؛ فالواجب على المؤمنين التسلك عن التشكك فيهم، واعتقاد إمضاء أحكام الله عليهم وقع ذلك أم لم يقع؛ فبذلك فرض المؤمنين معاداة الكافرين باليد واللسان، والسيف والسنان، وإضمار عداوة الجنان، فكيف وقد أضافوا إلى ذلك من الاعتقادات الكفرية، والمقالات الفرية، ما كفرتهم به الذرية الهادية المهدية، ولابد مما قاله الرسول يكون؛ لأنه لا يقول إلا عن علام الغيوب إن لم يكن في زماننا، ما رويناه بالإسناد الموثوق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قائم العترة المنتظر أنه قال: ((يشبهني في الخلق ولا يشبهني في الخلق))، فسره أهل العلم أنه خلق رسول الله العفو، وخلق القائم الانتقام بالقتل والسبي والسفك، وفي الحديث: ((لا يزال في أيامه الهرج الهرج)) معناه القتل عموما، والقتل حتى يقول القائل: ليس لله في آل محمد حاجة، ولم أعلم أحدا من آبائنا عليهم السلام وسع في المكاتبة والمراسلة إلا وصرح في ذلك أو عرض بكفر مناوئيه وشرك معاديه، ومن تأمل ذلك عرفه يعرف ذلك العارفون.
هذه رسالة محمد بن عبد الله إلى أبي جعفر الدوانيقي صدرها:
بسم الله الرحمن الرحيم ?طسم، تلك آيات الكتاب المبين، نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون، إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون?[القصص:1-6].
صفحة ١٢٩