المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
تصانيف
فالقوم مقرون بالله وبرسوله ، وإنما قالوا: لا نحب حملها بعد الرسول إلى أحد، وأبو بكر لاعتقاده أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقائم من بعده قال: له ما للرسول، ولو صح أنه خليفة لكان حقا ما قال ولم ينكر عليه أحد قوله على المنبر فكان إجماعا؛ لأن الأكثر اعتقد إمامته [فأوجب ذلك والأقل فلم يخطئه في أن للإمام ما للرسول وإن كان لا يعتقد إمامته]، ولم يختلف أحد في أن أبا بكر سبى جميع من قاتل، وما سلم ممن قاتله من السبي إلا أهل (بزاخة) فإنهم لقوه بالجيش مجردا من النساء والذرية وتركوا بينهم وبين الذراري يومين أو نحو ذلك، وما حضرت الجيش امرأة تذكر إلا امرأة طليحة، فلما حقت الهزيمة قدمها بين يديه راكبة وحماها حتى نجت، وملك على بني ذبيان أرضهم -أعني أبابكر بمشهد من الصحابة رضي الله عنهم- وقال: حرام على بني ذبيان [أن يتملكوا علينا] هذه الأرض بعد أن أفاءها الله علينا. وقال لأصحابه: إن الأرض كافرة. فأخرجها من الحكم الأول ولم ينكر عليه أحد، وما قبض النبي إلا وجزيرة العرب دار الإسلام لا يشوبه كفر إلا ما نجم في حال مرضه من الأسود العنسي بصنعاء، ومسيلمة باليمامة فقضى بكفرهم وأمر بغيلتهم، ومجاهرتهم، فكانت الدار من قعر عدن إلى عمان إلى جفر أبي موسى إلى (تبوك) إلى (آيلة) فما تحوزه هذه التخوم إلى البحر دار الإسلام وما عداها دار حرب [فلما كان من العرب ما كان عادت الأرض دار حرب] إلا القليل كمكة، والمدينة، والظاهر، وصعدة، و(جواثى) قرية من قرى البحرين، وما سواها دار حرب [وردة] فلما دخلت العرب كرها في الباب الذي خرجت منه بعد نفاذ أحكام الله تعالى فيها بالقتل والسبي والصلب والحريق والرضح بالحجارة وأنواع التنكيل رجع الإسلام إلى حالته الأولى فقال شاعرهم:
وحبرها الراوون أن ليس بينها .... وبين قرى مصر ونجران كافر
فألقت عصاها واستقرت بهاالنوى .... كما قر عينا بالإياب المسافر
فالقوم ما جعلوا بين الإيمان والكفر في تلك الحال واسطة.
صفحة ١٠٨