409

المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)

ولما كثرت عشرتنا لهم، علمنا من حالهم أنهم ينكرون مذهبهم في حال، ويظهرونه في حال، ويرون ذلك قبالة وحزما، ويرون بجواز الكذب في نصرة دينهم وقوة مذهبهم، ودفع الضرر عنهم وعن أحوالهم، ولا يستمر إنكارهم، بل ربما ينكرون في المقام تحمية الجدال، فيناظرك مناظرة شديدة على تحقيق ما أنكره.

والنسبة إلى زيد بن علي عليه السلام تقتضي مطابقته؛ فإذا كان الأمر كذلك ذكرنا لك فصلا نرويه بالإسناد الموثوق به إلى أبي عيشان الأزدي قال: دخل علينا زيد بن علي الشام أيام هشام بن عبد الملك فما رأيت رجلا كان أعلم بكتاب الله منه، ولقد حبسه هشام خمسة أشهر يقص علينا ونحن معه في الحبس تفسير الحمد وسورة البقرة يهذ ذلك هذا، وذكر القرآن فقال فيه: واعلموا - رحمكم الله - أن القرآن والعمل به يهدي للتي هي أقوم، لأن الله شرفه وكرمه، ورفعه وعظمه، وسماه روحا ورحمة، وشفاء وهدى ونورا، وقطع منه بمعجز التأليف أطماع الكائدين، وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلفين، وجعله متلوا لا يمل، مسموعا لا تمجه الآذان، وغضا لا يخلق على كثرة الرد، وعجيبا لا تنقضي عجائبه، ومفيدا لا تنفد فوائده، واعلموا رحمكم الله أن القرآن على أربعة أبواب: حرام وحلال لا يتسع بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتأويل لا يعلمه إلا الله، وهو ما يكن مما لم يكن، واعلموا رحمكم الله أن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا فظهره تنزيله، وبطنه تأويله، وحده فرائضه وأحكامه، ومطلعه ثوابه وعقابه.

صفحة ٤٥٧