405

المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)

واعلم أن القرآن الكريم مشحون بوقوع الأمطار، والرياح والغمام، والنبات والثمار، والزروع والأنهار، والحيوانات ومنافعها، والأرزاق وأجناسها من منته على خلقه وأن التناقص في الثمار والنفوس والزرع والأولاد والجدب والجوع والآلام التي هي الصوت، والفقر الذي هو البأساء، والموت منه سبحانه فذلك منه تعالى للترغيب وهذا منه سبحانه للترهيب، والقرآن ظاهر لمن أظهر التعلق بالإسلام بوجوده في جميع أقطار بلدان أهل الإيمان ولا تخلو سورة منه عن دلالة إما تصريح وإما إشارة، ولابد إن شاء الله تعالى من كتابين كبيرين: أحدهما على الباطنية في نسف آرائها وتبيين عيبها وكفرها، والثاني على المطرفية في بيان ردتها وبغيها عمن أظهرت الانتساب إليه من أئمة الهدى، فإذا تقرر ذلك بينا أحكام الفريقين في مقتضى شرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما أطبقت عليه أئمة الهدى، وإنما خصصنا هؤلاء بالذكر لانتسابهم إلى الشيعة، وكون اعتقادهم منفرا للأمة عن اتباع الذرية الزكية، فهم عندنا من الأخسرين أعمالا ?الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا?[الكهف:104]، وإذا قد فهمت المقصود فلنرجع إلى ذكر ما يتعلق بهذه السورة الشريفة دون غيرها من الرد عليهم، والتحقيق بالصدق لما ذكرنا، قال سبحانه مخاطبا لبني إسرائيل في نبيه عليه السلام في حال تيههم وظلمهم: ?وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون?[البقرة:57]، فلم يمنعه تعالى ظلمهم لأنفسهم من إتمام النعمة عليهم، وإصباغ أرزاقهم لبلوغ الحجة فيهم، وفي مثله قوله تعالى: ?وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير?[البقرة:126]، وهم ربما قالوا رزق المطيع سبحانه ولم يرزق العاصي وهذا عند عامتهم.

وأما عند أهل التحقيق فرزق العاصي والمطيع حصل بغير قصد من الله سبحانه،بل بالفطرة والإحالة والحركة، فقد رأيت اختياره سبحانه بأنه يمتع الكافر قليلا؛ لأن متاع الدنيا قليل ثم يضطره الموت وغيره من أسباب الهلاك إلى عذاب النار؛ لأنه برزقه له وجب عليه حمده وشكره، وبكفره لا لأنه استحق النار، قال تعالى في الامتحان والبلوى في هذه السورة : ?ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين?[البقرة:155] الجوع: من أنواع الجدب، والخوف على وجهين: خوف من الله تعالى، وخوف من أعدائه وهما جميعا في الحكم من جهته؛ لأنه لولا تعبدنا بعداوة أعدائه لم نخفهم، ولولا تعبدنا بطاعته لم نخف مخالفة أمره، ونقص من الأموال والأنفس، أنواع المال معروفة ونقصها ظاهر بالموت من حيوانها، وبتلف من جمادها، ونقص الأنفس: الموت والأمراض على أنواعها، والثمرات نقصانها بما يحدث من الآفات فيها، وكل هذا بغير حاجة منه سبحانه إليه، وإنما أراد بلوانا بالصبر لنفع يعود علينا، كما ابتلانا بالشكر لأمن يرجع إلينا فتدبر ذلك تصب رشدك، موفقا إن شاء الله تعالى .

صفحة ٤٥١