المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)

الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان ت. 614 هجري
224

المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)

وقوله: بأنه سبحانه جواد إذا راجع إلى التحقيق، صفة من صفات الفعل وقد تستعمل ويراد بها الاستقبال، كما يقال: السلطان غالب لبني فلان وقاتل لهم، إذا كان ذلك معلوما من حاله وحالهم، وإن لم يكن الغلب والقتل واقعين في الحال بل هما منتظران في المآل، ويقال: فلان سخي جواد، إذا كان المعلوم من حاله أنه عند إمكان ذلك يعطي السائل [ويشبع] النائل وإن لم [يكن] في الحال فاعلا، فوصفنا للباري تعالى بأنه جواد قبل وجود الموجود عليه والمرزوق والرزق نريد به هذا المعنى، وقد علمنا أن العقلاء يصفون الواحد منا بالكرم والجود وإن لم [يكن] يعطي السائل [والنائل]، إذا كان ذلك لمانع من عدم المسؤول، ونحوه إذا كانوا يعلمون إنه إذا وجد وأمكن ذلك المسئول جاد وأعطى، وإنما وصفوه بذلك لعلمهم بما قدمنا، بدليل أنهم لولم يعلموا ذلك لما وصفوه بالكرم والجود، بل يصفونه بالبخل إذ البخيل عندهم من إذا سئل ما يمكنه مما يحسن أعطاه لم يعطه، والكريم عندهم من ذكرنا، فوصفنا للباري سبحانه بذلك أولى وأحرى لعلمنا أنه يعطي عند حسن الإعطاء بلا من، ولا حساب، ولا مكيال، ولا ميزان، لا يضن على المحتاجين، ولا يخيب رجاء الراجين، فعلى هذا المعنى نصف الله تعالى بأنه جواد في جميع الحالات وصفا لا ينتهي فيه إلى حاجز ولا رادع، بل نطلق القول بذلك إطلاقا، وقد يقال: فلان جواد، ومنعم، ورازق، إذا كان رازقا في الحال منعما جايدا، فإن وصف الباري بالمعنى الأول صاغ ذلك لما قدمنا على ما قدمنا، وإن وصف بالمعنى الثاني لم يجز إجراء ذلك عليه في الأزل لاستحالة وجود الرزق والمرزوق في الأزل؛ لأن وجود ذلك في الأزل يخرج الرزق عن كونه رزقا، والمرزوق عن كونه مرزوقا، والرازق عن كونه رازقا في الحال، ويوجب الجميع للإلهية، ويذهب عن الباري تعالى الوحدانية، والأدلة العقلية والسمعية باطلة ببطلان ذلك، وبطلان ما أدى إليه.

هذا القدر من الكلام في هذه المسألة كاف لمن أنصف نفسه، وملك عقله، ونبذ رأي الهوى وراء ظهره، وجعل طلب السلامة نصب عينيه، وقد تقدم الجواب عما لزم في الفصل المقدر زمانا في موضعه فلا معنى لإعادته.

صفحة ٢٦٤