المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
تصانيف
الجواب: الإرادة عندنا جنس الفعل وليست بمراد فلا يحتاج إلى إرادة أخرى؛ لأن الإرادة إنما يحتاج إليها في وقوع الفعل على وجه دون وجه، كالخبر مثلا عن زيد بن عبد الله وزيد بن خالد فإنه لا يقع على أحد الوجهين إلا بإرادة كذلك، لأنها حاصلة على سبيل التبع للمراد، بمعنى أن ما دعا إلى المراد يدعو إلى الإرادة به، فلو لزم ذلك في الباري سبحانه للزم في الواحد منا؛ لأن ثبوت الإرادة له سبحانه ولنا على سواء، ومعلوم أن الواحد منا لا بد أن يكون مريدا بإرادة من فعله لولا ذلك لما تميز أمره من تهديده ولا أقسام كلامها بعضها من بعض، وإنما قلنا: يجب أن تكون من فعله لاستحالة أن يكون مريدا بإرادة من فعل غيره؛ لأن [الغير] إما قادر لذاته فهو الله تعالى، ولا يجوز أن يكون الواحد منا مريدا بإرادة من فعل الله سبحانه، لأن الواحد منا يريد القبيح كما يريد الحسن، فلا يجوز أن يفعل إرادة القبيح، لأنها تكون قبيحة والله سبحانه لا يفعل القبيح وذلك لا يجوز، وإرادة الحسن واقفة على داعيه وما يكون [موجودا] من جهة غير الفاعل، فلا يقف على دواعيه، وهذا الدليل يبطل القول بأن الواحد منا مريد بإرادة من جهة غيره سواء كان المراد حسنا أو قبيحا، وسواء كان الفاعل لها فيه القديم سبحانه أو غيره، وإذا كان المغير قادر بقدرة ولا يوجد في غيره إلا بالاعتماد، والاعتماد لا تأثير له في حصول الإرادة، لأن الواحد منا لو اعتمد على صدر غيره لما حصل ذلك له إرادة، فنفى أن الواحد منا مريد بإرادة من فعله، ولا يلزم أن يوجد ما لا نهاية له من الإرادات، فكذلك الباري تعالى، لأنهما صفتان مستحقتان لمعنى محدث، فما لزم في إحداهما لزم في الأخرى، وما انفصل عن إحداهما انفصل عن الأخرى، وقد ثبت انفصال الإلزام في الواحد منا، ولهذا فإنه إذا أكل فلا بد من أن يريد الأكل، ولا يلزم أن يريد إرادة الأكل لما لم تكن مقصودة بنفسها، بل إنما يقع على طريق التبع للمراد وكذلك في الباري تعالى.
صفحة ٢٥٥