المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
تصانيف
تأتي على الناس لا تلوي على أحد .... حتى أتتنا وكانت دوننا مضر لكنها جاءت بما برد الأحشاء، ولم تكن كلسان الأعشى، فلما اتصلت لحسام الدين، ورأس الموحدين، أبي علي الحسن، علامة أهل اليمن، عاينت ما يبهر العقول نورا، ويرد الطرف خاسئا حسيرا، كسرت من طرفها، وطامنت من أنفها، وقبضت من كفها، وسلمت إليه القياد، وقالت: هيت لك يا خير هاد، حطت رحلها بحيث حط الفضل رحله، وصارت إلى من صار للعلماء قبلة، وكان يومئذ مشغولا بتصانيف وأجوبة، لا يقوم بها سواه، ولا ينهض [بعبئها ] إلا إياه، دفعها إلي، وقال: حلل عقدها، وقوم أودها، وكنت قد اغترفت من تياره غرفة طالوتية، أفرغت علي صبرا، ومنحتني على المناضل نصرا، فتأهبت لامتثال الرسم العالي، على كثرة أشغالي، وقلة إيغالي، مستعينا برب أزلي، قديم أبدي، فما العون إلا من عنده، وما التوفيق إلا بيده، وجاءت معصوبة تذكر مساوئ أهل العصر في الدعاوي، مع خبطهم في المغاوي، وذلك حق اليقين، في أكثر العالمين، إلا الذين استثناهم الكتاب المبين، في قوله عز من قائل: ?وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا?[آل عمران:7]، وقوله: ?وما يعقلها إلا العالمون?[العنكبوت:43]، وقوله: ?ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم?[النساء:83]، وقوله: ?فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون?[النحل:43] ?أولئك مبرءون مما يقولون?[النور:26]، ?وفوق كل ذي علم عليم?[يوسف:76]، وللعلم حفظة في جميع الأعصار، ما اختلف ليل ونهار، ودار فلك دوار، يحمون سرحه عن أسود الكفر والجحود، ويهتكون بقواضب حججهم سرادقات الشبهات السود، يصمون أوابد المشكلات ولا ينمونها، ويرمون أعراض المعضلات فلا يخطئونها، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بصائرهم موهوبة من عنده، لما أراد من غلب جنده، وصدق وعده، قال وهو أصدق القائلين: ?وإن جندنا لهم الغالبون?[الصافات:173]، والعلماء ورثة النبيين، والشهداء يوم الدين، كما روي عن الصادق الأمين -صلوات الله عليه وعلى آله الأكرمين: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) وعنه سلام الله على روحه الكريم أنه قال: ((العلماء في الدنيا خلفاء الأنبياء، وفي الآخرة من الشهداء)) هذا قول الرسول، وأنا أقول:] إنهم الأقلون عددا، الأكثرون عند الله ثوابا ورشدا، قال العزيز الغفور: ?وقليل من عبادي الشكور?[سبأ:13]، اشتق أسماءهم من اسمه، وجعلهم حفظة لعلمه، معروفة في السماء أعيانهم، منتصبة في الأرض آثارهم، محفوظة أخبارهم، مزورة ديارهم، يرغب أهل الدين في خلتهم، وتحضر الملائكة أفنيتهم، ويأنس الوحيد إلى لقيتهم، ويتوق البعيد إلى رؤيتهم ، يميزون الحق من الباطل، ويؤثرون الراجح على الشائل، يرتقون الأقوال عن بصيرة ثاقبة، وروية غير ناضبة، لا يحكمون بالأهواء، ولا يخبطون خبط العشواء.
صفحة ٢٠٧