المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
تصانيف
هذا رويناه في علوم آل محمد صلى الله عليه وآله أجمعين مسندا، ولأن الإجماع منعقد أن الإمام إذا أكره الرعية على الصدقة ونووها ظلما لم ينووها طاعة، فإنه لا يجب عليهم قضاؤها؛ فدل على أن الإكراه يصح فيها، ولا يخرجها من بابها بخلاف الصلاة فإنها مما لا يصح فيه الإكراه؛ لأن الإمام إذا أكرهه وفعل الصلاة ولم ينو العبادة وتأدية الفرض لم تكن صلاته شرعية، ووجب عليه قضاؤها إذا تاب؛ ولأنا نقول: لا بد أن ينوي في الوضوء الطاعة لله تعالى والصلاة، وإلا لم تصح صلاته؛ فكيف يكره على ما لا يصح عند جميع أهل الإسلام، ولو لم يكن متى أكرهه إلا أن ينتقض وضوءه ويوهم أنه باقي على الطهارة، أو يظهر أنه على وضوء وهو محدث، فكيف يتصور الإكراه على الصلاة، وإنما يجب الأمر بالصلاة مستمرا، وقد كان ذلك خصوصا وعموما، ومهما أمكن الفرقة الملعونة إنكاره، لم يمكنها إنكار أنا في كل جمعة نتكلم ، ونأمر، ونعد، ونوعد، ونعرف، ونبصر على المنبر كرتين -تحريضا على الصلاة، ونأمر من يتفقد القرى والبلاد للتحريض على طاعة الله تعالى، فلسنا من رأيناه في ناحية نقول له: قم أد الصلاة، ولا هو لو قلنا له: صل يقول: لا أفعل، وقد كثر الصلاح، وانقطع الفساد فالحمد لله، وصار المصلون هم الأغلب، ومن يترك مغمورا في جنب الصالحين، فالحمد لله رب العالمين، ولا يظهر قطعها في البلاد التي استقرت فيها الأوامر والنواهي النبوية زادها الله جلالة وشرفا ولا ينقطع الطارئ إليها من غيرها فلا يحسن منا أن نحارب على الصلاة مع حرب عدونا الذي قد شخص لحربنا، ولا ضعف فيه إلا أن يضعفه الله تعالى، والنبي سيد البشر محمد بن عبد الله قد صالح بعض المشركين على الشرك، ولم يناقشهم فيه، كبني مدلج، وبني كعب من خزاعة، وغيرهم من قبائل العرب، وحارب الفريق الآخر وهو أكثر من ترك الصلاة، ولم ينكر ذلك عليه المسلمون وإن أنكر ذلك منكر، فإنكاره ذلك كفر، ولم يقدح ذلك في نبوته؛ فكيف تنكر هذه الفرقة الملعونة الكافرة على أئمة الهدى ما فعل رسول الله وهو الهادي إلى الرشد، والدليل إلى الله تعالى ما هو أعظم منه، ونحن لأكثر أهل العصر مهادنون، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: لو ثني لي الوساد لقد غيرت أشياء فدل على أنه مغض على أشياء يريد تغييرها مخافة تكثير جمع العدو؛ فأغضى عليها، فذلك يجوز لإمام الحق إذا خشي خللا في الدين.
فانظر في هذا أيها الناظر بعين التهذيب لا عين التكذيب، و[عين] التدبير والتفكير، لا عين البغض والنكير.
صفحة ١٩٩