فإن قال: فلم خلقهم وقد علم بإفسادهم (1)؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأن خلقه (2) لهم حسن وفعلهم قبيح، ولم يكن الحكيم ليترك فعل الحسن من صنعه (3)، لقبيح فعل غيره.
فإن قال: فما الدليل على البعث (4)؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على ذلك أن الحكيم لا يخلق الخلق ويظهر الحكمة إلا للبقاء، لأن الفناء بالكلية ليس من الحكمة، وإذا لم يكن بد من أمر ونهي، فلا بد من مأمور مطيع (5) وعاصي، وإذا لم يكن بد من الطاعة والمعصية فلا بد من الثواب والعقاب، وإذا لم يكن (6) بد من الثواب والعقاب ولم يكن ذلك في هذه الدار فلا بد منه في غيرها، وإذا لم يكن بد من التعبد ولم يكن ذلك إلا بأمر ونهى فلا بد من رسول.
فإن قال: فلم خلقهم في بد المنشأ (7)؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأن إظهار الحكمة من صفة الحكيم.
فإن قال: ولم يظهر الحكمة؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأن إظهارها حسن.
فإن قال: ولم يظهر الحسن؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأن إظهار الحسن خير من تركه.
فإن قال: ومن أين كان إظهار الحسن خيرا (8) من تركه؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأنه لم يكن بد من أحد المعنيين، إما تركه وأما فعله، فتركه ليس من صفة الحكيم، وفعله أولى بالحكمة.
فإن قال: فمن أين جاز الشرع؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: من قبل التعبد، لأن الشرع هو نفس العبادة والبلوى، التي بها يعرف بين من أحسن وأسماء.
فإن قال: فمن أين جاز يتنبأ بعض الخلق دون بعض؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأن النبوة ثواب وتفضيل، والثواب والتفضيل لا يكونان إلا بفعل الطاعة والصبر على المحنة (9).
صفحة ١٥٧