وإن قلت: إنه فعل ذلك وهو عالم أصبت، وكان ذلك أحسن ما ذكرت، وكان الموصوف بالعلم عز وجل (1) أولى من وصفت.
فإن قال: من أين علمتم أنه قادر؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأنا نظرنا إلى الصنع فإذا هو مخترع من غير أصل ولا بدء، فعلمنا أنه من فعل قادر، لأن العاجز لا يصنع الشيء من غير أصل ولا بدء (2)، وقد بينا في أول كلامنا حدث الأشياء من غير شيء، ولأن العجز عرض لا بد أن يكون في الكل والبعض، أو في الطول أو في العرض.
فإن قال قائل: فكيف يعقل (3) شيء ليس بجسم ولا عرض، ولا له كل ولا بعض، ولا طول ولا عرض؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: يعقل بما أظهر (4) من صنعه الجليل، الذي لا تمتنع منه العقول، ولا يوجد إلى دفعه (5) سبيل.
فإن قال: فكيف تعبد ربا لا تراه؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: اعلم أيها السائل أنا لو رأيناه لما عبدناه، وذلك أن الأبصار لا تقع إلا على مفترق أو مجتمع، ولم نستدل على الله إلا بالمفترق والمجتمع، لأنهما محدثان، ولا بد للمحدث من خالق أحدثه، ولا بد أن يكون بخلافه في (6) جميع المعاني.
فإن قال: فبم عرفته؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: عرفته (7) بما هو أولى وأحق من الأبصار، وأصدق من جميع الأخبار.
فإن قال: وما ذلك؟
صفحة ١٥٥