ودليل آخر لا يخلو من أن تكون (1) متعلقة بجميعه، فيكون له كل، وإما أن تكون متعلقة ببعضه، فيكون جزأين جزء خلا من الحلول، وجزء محلول، والكل والبعض لا يكون إلى مفترقا أو مجتمعا، والمفترق والمجتمع لا يكونان إلا من صفات (2) الأجسام، لأن المفترق مفصل لا بد له من مفصل، والمجتمع موصل لا بد له من موصل، والمجتمع والمفترق لا يكون (3) إلا متحركا أو ساكنا، وقد أوضحنا حدث المتحرك والساكن فيما تقدم من كلامنا.
وإن قلت: إن له صفات هي هو أصبت في قولك، لأنه واحد ليس معه شيء يعلم به ولا يقدر، ولكنه غني حكيم عالم قادر حي، بغير معاني سواه (4).
فإن قال: من أين علمتم أنه حي؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: دلنا على أنه حي أنا نظرنا (5) إلى صنعه فإذا هو محكم متقن، والإحكام لا يكون إلا من حكيم، والحكيم لا يكون ميتا لأن الميت لا يعقل ولا يعي، ولا يحسن ولا يسيء.
فإن قال: من أين علمتم أنه عالم؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأنا نظرنا إلى إحكام الصنع فإذا هو دليل على أنه من غير جاهل، لأن الجاهل حائر (6)، والفاعل لا يفعل إلا بعد علمه بالمفعول.
فإن قال: وما أنكرت من أن يكون فعل بجهل؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك لأنا نظرنا إلى الفاعل بالجهل، فلم يخل عندنا من أن يكون أتقن الصنع وأحكمه بفكر وذكر بعد نسيان.
وإما أن يكون فعل ذلك بعلم لم يسبقه سهو (7) ولا نقصان.
فإن قلت: إنه فعل ذلك بخاطر فكر بعد جهل فهذا محال، لأن الخاطر من صفة مخلوق عاجز غير قادر، لأن الذكر عرض عارض لا يكون إلا في جسم متحرك أو ساكن، كل أو بعض، وكذلك النسيان فهو عرض يحل في القلوب، وذلك أولا ما تنزه عنه علام الغيوب.
صفحة ١٥٤