ولما كان ذلك واجبا على الحكيم نظرنا في قوله، فوجدناه قد افترض مودة ذوي القربى من رسوله، ووجدناه أقرب القرابة لديه، وأسبقهم وأعظمهم عليه، وأجداهم في الجهاد بين يديه، وأحبهم إلى الله وإليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، عليه صلوات رب العالمين، ثم وجدنا أقرب قرابته، وأخصهم بنسبه وولادته السبطين، ابني الرسول الطاهرين، صلوات الله عليهما، وعلى أبيهما وأمهما، وعلى من طاب من ذريتهما، ثم وجدنا الرسول صلى الله عليه قد خصهما بنسبه وولادته، فعلمنا أن ذريتهما أقرب قرابته، مع دلائل تطول لو ذكرناها، ويتسع بها القول لو شرحناها، فهم أقرب قرابة الرسول، وأحقهم بنسبه عند جميع أهل العقول، وإذا كان الإمام من هذين الحيين، وكان لا يوجد في غير آل السبطين، فلا بد له من دلائل يبين بها عنهم، وإلا فلا فرق بينه وبينهم.
فمن تلك الدلائل التي تبينه عن قرابته، وتشهره للناظرين عن أهل نسبته من أهل بيته، أن يكون أرجحهم عقلا، وأحسنهم مقالا وفعلا، وأشهرهم حكمة وفضلا.
وسألت - وفقك الله لمرضاته، وأعانك على طاعته - عن حكمة الله في خلق هذه الضوآر، من ذوات السموم والمضار.
واعلم يا أخي أن هذه الهوآم في أنفسها حكمة جليلة تدل على خالقها، من تركيب آلاتها وأدواتها، وإحكام صنعة هيئاتها، وإصلاح جميع قوام حياتها، وإلهامها لمنافعها ومضارها، ولذات نعيمها ومسآرها، فقد كفيت أسباب أرزاقها، وسهل لها جميع أرفاقها، لعلم الصانع الحكيم بضعفها، عن اختيار الأرزاق وتكلفها، فأعانها عز وجل من سعة فضله، وكفلها بأنواع لطفه، وهي لا تحرث ولا تزرع، ولا يدخر أكثرها ولا يجمع، فكم فيها من عجيبة تضل فيها العقول !! وحكمة يقصر دون وصفها القول!! وما عسى أن نذكر من عجائب أوصافها!! ونشرح من خصائص ألطافها!! ونحصي من غرائب أصنافها!! لعجزنا عن ذلك وضعفنا، وجل صنع الحكيم عن وصفنا.
صفحة ١٢٤