﴿ والمقصود هنا أن السلف كان اعتصامهم بالقرآن والإيمان ﴾ فلما حدث في الأمة ما حدث من التفرق والاختلاف، صار أهل التفرق والاختلاف شيعاً صار هؤلاء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر والإيمان بالرسول وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه، فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى إذ كان اعتمادهم في نفس الأمر إلى غير ذلك، والآيات التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن، ليس مقصوده أن يفهم مراد الرسول، بل أن يدفع منازعه عن الاحتجاج بها.
ولهذا قال كثير منهم كأبي الحسين البصري ومن تبعه كالرازي والآمدي وابن الحاجب أن الأمة إذا اختلفت في تأويل الآية على قولين جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين؛ جوزوا أن تكون الأمة مجتمعة على الضلال في تفسير القرآن والحديث وأن يكون الله أنزل الآية وأراد بها معنى لم يفهمه الصحابة والتابعون، ولكن قالوا أن الله أراد معنى آخر وهم لو تصوروا هذه المقالة لم يقولوا هذا فإن أصلهم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يقولون قولين كلاهما خطأ والصواب قول ثالث لم يقولوه، لكن قد اعتادوا أن يتأولوا ما خالفهم، والتأويل عندهم مقصوده بيان احتمال في لفظ الآية يجوز أن يراد ذلك المعنى بذلك اللفظ، ولم يستشعروا أن المتأول هو مبين لمراد الآية مخبر عن الله تعالى أنه أراد هذا المعنى إذا حملها على معنى وكذلك إذا قال يجوز أن يراد بها هذا المعنى والأمة قبله
44