254

ووقع القتل حتى أكرم الله الحسين ومن أكرمه من أهل بيته بالشهادة رضي الله عنهم وأرضاهم وأهان بالبغي والظلم والعدوان من أهانه بما انتهكه من حرمتهم واستحله من دمائهم ((ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء)) [الحج:18] وكان ذلك من نعمة الله على الحسين وكرامته له لينال منازل الشهداء حيث لم يجعل له في أول الإسلام من الإبتلاء والامتحان ماجعل لسائر أهل بيته لجده صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه وعمه وعم أبيه رضي الله، عنهم فإن بني هاشم أفضل قريش وقريشا أفضل العرب والعرب أفضل بني آدم كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل قوله في الحديث الصحيح: ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم بني إسماعيل واصطفى كنانة من بني إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم )) وفي صحيح مسلم: أنه قال يوم غدير خم: ((أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي )) وفي السنن أنه شكى إليه العباس أن بعض قريش يحقرونهم، فقال: (( والذي نفسي بيده لايدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي )) وإذا كانوا أفضل الخلق فلاريب أن أعمالهم أفضل الأعمال وكان أفضلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لاعدل له من البشر ففاضلهم أفضل من كل فاضل من سائر قبائل قريش والعرب بل ومن بني إسرائيل وغيرهم، ثم علي وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث هم من السابقين الأولين من المهاجرين فهم أفضل من الطبقة الثانية من سائر القبائل، ولهذا لما كان يوم بدر أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمبارزة لما برز عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قم ياحمزة قم ياعبيدة قم ياعلي فبرز إلى الثلاثة ثلاثة من بني هاشم، وقد ثبت في الصحيح أن فيهم نزل قوله تعالى: ((هذان خصمان اختصموا في ربهم..)) [الحج:19] الآية، وإن كان في الآية عموم، ولما كان الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وكانا قد ولدا بعد الهجرة في عز الإسلام ولم ينلهم من الأذى والبلاء مانال سلفهما الطيب فأكرمهما الله بما أكرمهما به من الابتلاء لترفع درجاتهما وذلك من كرامتهما عليه لامن هوانهما عنده كما أكرم حمزة وعليا وجعفرا وعمر وعثمان وغيرهم بالشهادة .. إلى قوله: وقد علم الله أن مصيبته تذكر على طول الزمان.. إلى قوله: وطائفة من العلماء يلعنون المعين كيزيد.. إلى قوله: ويزيد بن معاوية قد أتى أمورا منكرة منها وقعة الحرة.. إلى قوله: ولهذا قيل للإمام أحمد أيكتب الحديث عن يزيد. فقال: لا ولاكرامة أوليس هو الذي فعل بأهل الحرة مافعل. وقيل له: أما تحب يزيد؟ فقال: وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر. فقيل: فلماذا لاتلعنه؟ فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحدا؟ إلى أن قال ابن تيمية في ذكر يزيد لعنه الله تعالى: لكنه مع ذلك ما انتقم من قاتليه ولاعاقبهم على مافعلوا، إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه الذي كان يخاف عليه من الحسين وأهل البيت رضي الله عنهم.. إلى آخر كلامه. وهو كلام نفيس. وفيه رد واضح على المخالفين المدعين لمتابعة الشيخ المذكور، وإلى الله ترجع الأمور، والشيخ ابن تيمية يقول: بأن إجماع أهل البيت حجة. نص عليه في فتاواه.

اعلم أن الذي سبق من النقل عن ابن تيمية مما يدل على موافقته إنما هو من إخراج الحق على ألسنة الخصوم وإلا فهو من أشدهم عنادا وأبينهم فسادا، وسأنقل هنا مافيه أكبر برهان على ذلك مع بيان الرد عليه وعلى أمثاله بالأدلة القاطعة والحجج المنيرة الساطعة.

صفحة ٢٣٧