بسم الله الرحمن الرحيم
[و]صلى الله على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد وصحبه وسلم.
الحمد لله الذي تعرف إلى أوليائه [بنعمائه] فشكره كل من عرفه، ورفع إلى جنابه من شاء من أحبابه فحاز فخره وشرفه، وكفى من توكل عليه، ومن لجأ إليه ولطف به وأسعفه؛ ذلت الصعاب لهيبته، وخضعت الرقاب لعظمته، وعنت الوجوه لعزته، وتحرك كل لسان بقدرته وشفه؛ جل عظمة وسلطانا، وتمجد قدرة وشأنا، وتبارك رحيما ورحمانا، وتنزه ذاتا وصفه.
نحمده على جزيل الإنعام، ونشكره على جسيم الإكرام، فنعمه لا تحصى وأجلها الإسلام، ومنها أن أكمل لنا ديننا في يوم عرفة.
صفحة ١٢٩
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أخلص في مقاله، وسدد لله في أقواله وأعماله، وذكر الله على كل أحواله، فمنحه الهداية وعن الغواية صرفه ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله للعباد رحمة، وأيده بالحماية، وأمده بالعصمة، وشرف بمبعثه هذه الأمة، وبالرأفة والرحمة وصفة؛ صلى الله عليه وعلى آله الأشراف الأمجاد،وأصحابه الأئمة الأجواد، وتابعيهم [بإحسان] إلى يوم المعاد، ما شق [الفجر] ليلا وخلفه؛ وسلم تسليما.
قال الله عز وجل:{والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر. واليل إذا يسر. هل في ذلك قسم لذي حجر}الآيات.
قوله تعالى.{ والفجر}: هذا قسم، أقسم الله تعالى به، وهو من جملة الأقسام الواقعة في القرآن، وكل منها له سر كريم، وشأن عظيم واختلف في المراد بالفجر هنا.
فقيل: هو على ظاهره وهو بدو النهار روي عن علي [بن] أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره.
وهذا كما أقسم الله تعالى بالصبح في قوله تعالى: {والصبح إذا تنفس}.
صفحة ١٣٠
فيتضمن القسم بوقت صلاة الفجر كما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن المراد بالفجر هنا: صلاة الفجر التي هي أول الصلوات، كما تضمن آخر القسم وهو قوله تعالى:{والليل إذا يسر} آخر الصلوات، ففتح القسم بوقت أول الصلوات، [وختم بوقت آخر الصلوات].
وقيل: والفجر، أي: ورب الفجر، فيكون القسم بالخالق سبحانه وتعالى.
وقيل: الفجر: فجر أول يوم النحر قاله مجاهد.
وقيل: [الفجر] فجر أول يوم من المحرم، لأن منه تتفجر أيام السنة قاله قتادة.
وقيل: الفجر: فجر أول يوم من عشر ذي الحجة قال الضحاك بن مزاحم.
وقيل : الفجر: فجر يوم عرفة، وليال عشر: عشر ذي الحجة رواه أبو الزبير عن جابر -رضي الله تعالى عنه- بمعناه.
وهو المشهور الصحيح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-.
رواه عن زرارة بن أوفى، وأبو نصر محمد بن قيس الأسدي.
صفحة ١٣١
وقاله مجاهد ومسروق وقتادة والضحاك ومقاتل والسدي وغيرهم، وحكى الحافظ أبو موسى المديني في كتاب ((الترغيب والترهيب)) اتفاق المفسرين على هذا القول إلا ما روي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه العشر الأواخر من رمضان، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-.
والقول الأول أكثر أنه عشر ذي الحجة، وممن قال عكرمة، وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال أبو الضحى: سئل [مسروق] عن قوله تعالى{والفجر. وليال عشر} قال: هي أفضل أيام السنة. انتهى.
وهذا العشر يتضمن أيضا الصلوات المفروضات، والمناسك المختصة بالعبادات.
صفحة ١٣٢
وقوله تعالى: {والشفع والوتر} هما من جملة الأقسام المذكورة في هذه السورة بين أول القسم وآخره، لأنهما يتضمنان المناسك والصلوات المختصة بالعبادة، والعبادة منها شفع ومنها وتر في الأماكن والأعمال والزمان.
فالأماكن: كالصفا والمروة شفع، والبيت وتر، ومنى ومزدلفة شفع، وعرفة وتر.
وأما الأعمال: فالطوف وتر، وركعتاه شفع، والصلوات منها وتر كالمغرب، ومنها شفع.
وخرج الترمذي من حديث عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي- سئل عن الشفع والوتر قال:
((هي الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر)).
صفحة ١٣٣
هذا حديث غريب.
وأما الأزمان فقد قال عكرمة عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- في قوله تعالى:{ والشفع والوتر} قال: الشفع يوم النحر، الوتر يوم عرفة)).
خرجه أبو بكر محمد بن هارون الروياني في ((مسنده)).
وجاء من حديث أبي الزبير عن جابر -رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((العشر: عشر الأضحى، والوتر: يوم عرفة، والشفع : يوم النحر)).
خرجه الإمام أحمد في ((مسنده)) والنسائي وإسناده حسن.
صفحة ١٣٤
وجاء عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- [موقوفا.
وعن مجاهد عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن الوتر آدم وشفع بزوجته حواء.
وعن غير مجاهد عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما]: ((أن الشفع آدم وزوجته حواء، والوتر الله تعالى وحده.
وهكذا قاله مقاتل في ((تفسير)).
وجاء عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- رواية ثالثة: أن الشفع يوم النحر، والوتر اليوم الثالث.
وقال ابن الزبير -رضي الله تعالى عنهما-: ((الشفع يومان بعد يوم النحر، والوتر اليوم الثالث)).
وقال عطية العوفي: الشفع الخلق قال الله تعالى:{وخلقنكم أزواجا}، والوتر هو الله عز وجل .
وروي نحوه عن مجاهد ومسروق والحكم وغيرهم.
وجاء عن مقاتل، أن الشفع الأيام والليالي، والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة.
صفحة ١٣٥
وقيل: الشفع تضاد أوصاف المخلوقين من عز وذل، وقدرة وعجز، وقوة وضعف، وعلم وجهل، وحياة وموت، والوتر: انفراد صفة الله عز وجل [عن] عز بلا ذل، وقدرة بلا عجز، وقوة بلا ضعف، وعلم بلا جهل، وحياة بلا موت قاله أبو بكر بن عمر الوراق.
وقيل فيهما غير ذلك نحوا من ثلاثين قولا، ومدار الأقوال على القسم بالخالق سبحانه وتعالى ثم بالمخلوق.
وقوله تعالى: {والليل إذا يسر}: الليل هو: ليلة الأضحى قاله مقاتل وغيره.
ويسري معناه: أقبل، [وقيل: يسري ذاهبا]، وقيل: يسري فيه كما يقال: ليل نائم، أي ينام فيه، والياء من يسري حذفت لمشاكلتها رؤوس الآي، واتباعا للمصحف، وجريا على قاعدة العرب لأنها تحذف الياء وتكتفي منها بكسر ما قبلها، فيما ذكره أبو إسحاق الزجاج وغيره.
وقرئ بإثباتها وصلا ووقفا، وبحذفها فيهما، وبإثباتها وصلا وحذفها وقفا.
صفحة ١٣٦
ولما ذكر الله سبحانه وتعالى القسم قال الله تعالى: [{هل في ذلك قسم لذي حجر} يعني:] هل في هذا القسم كفاية لذي لب وعقل يحجزه عن الغفلة واتباع الهوى، فيعرف عظم هذا القسم الذي أقسم الله تعالى فيه بنفسه جل وعلا، ثم بخلقه الذي في كل شيء منه آية تدل على وحدانية الله عز وجل.
تأمل سطور الكائنات فإنها ... من الملك الأعلى إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملت خطها ... ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وجواب هذا القسم الذي أقسم الله تعالى به قوله تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} [فأقسم الله تعالى بنفسه، ثم بخلقه على أن ربك لبالمرصاد] رقيب عليكم، وناظر إليكم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
والمرصاد: قيل: موضع الرصد، وهم القوم يرصدون [فيه] أي: يرقبون، وقيل: هو الطريق.
صفحة ١٣٧
وقال أبو صالح الهذيل بن حبيب الأزدي عن مقاتل بن سليمان في قوله تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} يعني : الصراط، وذلك أن جسر جهنم -أجارنا الله منها- عليه سبع قناطر، كل قنطرة مسيرة سبعين عاما، على كل قنطرة ملائكة قيام، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، بأيديهم المحاسك والمحاجز والكلاليب، يسألون في أول قنطرة عن الإيمان بالله عز وجل، وفي الثانية عن الصلوات الخمس، وفي الثالثة عن الزكاة، وفي الرابعة عن صوم شهر رمضان، وفي الخامسة عن حج البيت، وفي السادسة عن العمرة، وفي السابعة عن مظالم الناس والقصاص، فذلك قوله عز وجل: {إن ربك لبالمرصاد}.
وفي تفسير هذه الأقسام غير ذلك.
منها: ما علق القاضي عياض في كتابه ((الشفا)) عن ابن عطاء في قوله تعالى:{والفجر} قال: هو محمد- صلى الله عليه وسلم - منه تفجر الإيمان.
وقيل: الفجر: هو انفجار المياه والعيون والنبات من الأرض، والثمار من الأشجار، التي لو اجتمع الخلائق على إخراج قطرة ماء من حجر لما قدروا عليه، [ولو اجتمعوا على إخراج ثمرة من شجرة لما قدروا عليه]، ولا يقدر على ذلك إلا الرب القادر على كل شيء سبحانه وتعالى.
ذكره طاهر الحدادي في كتابه ((عيون المجالس)).
ثم قال: ((وشاهد ذلك القول حكاية وجدتها في بعض الكتب أن رجلا استلقى تحت شجرة فنظر إلى أوراق تلك الشجرة في الحسن فخطر على قلبه: من أورق هذه الشجرة؟ فوقعت على وجهه ورقة مكتوب عليها: أخرج الورق من الشجرة من شق على الوجه البصر)).
صفحة ١٣٨
والأكثرون على أن الفجر فجر يوم عرفة، والعشر [عشر] ذي الحجة كما تقدم.
وقال أبو عثمان النهدي: كانوا يفضلون ثلاث عشرات: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم، والعشر الأواخر من رمضان.
والأخبار مشعرة بتفضيل عشر ذي الحجة على العشرين المذكورين لأن فيه يوم التروية، ويوم عرفة، ويوم النحر.
قال عبيد الله بن عبد المجيد: حدثنا مرزوق أبو بكر [قال:] حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال:
((ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة)). قالوا: يا نبي الله! ولا مثلها في سبيل الله؟.
قال: ((ولا مثلها في سبيل الله، إلا من عفر وجهه في التراب)).
ورواه فضيل الجحدري عن عاصم بن هلال عن أيوب عن أبي الزبير بنحوه.
صفحة ١٣٩
وفيه: ((إن أفضل أيام الدنيا أيام العشر)).
وخرجه البزار في ((مسنده)) وابن حبان في ((صحيحه)) ولفظه:
((ما من أيام أفضل عند الله من [أيام] عشر ذي الحجة)).
فقال رجل: يا رسول الله: هو أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟.
قال: ((هو أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله)).
صفحة ١٤٠
وروي من طريق أخرى ولفظه: ((ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة، ولا ليالي أفضل من لياليهن)) الحديث.
خرجه موسى أبو موسى المديني في ((الترغيب والترهيب)).
[وفي الحديث وما قبله دلالة على] أن العشر أفضل أيام الدنيا، وفي حديث جابر -رضي الله تعالى عنه-: ((ولا ليالي أفضل من لياليهن)) ما يشعر بتفضيلهن على ليالي عشر رمضان.
وجاء في حديث عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- لكن إسناده ضعيف:
((قيام كل ليلة منها كقيام ليلة القدر)).
صفحة ١٤١
وقال بعض الأئمة: يقال: مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر [شهر] رمضان، لأن هذا العشر أقسم الله عز وجل بفجر أول يوم منه على قوله الضحاك وغيره.
وأيضا: أقسم الله عز وجل بلياليه العشر على قول الجمهور، وصح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-.
وهو العشر التي أتمها الله عز وجل لموسى -عليه الصلاة والسلام- في قوله تعالى:{ووعدنا موسى ثلثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربيعين ليلة} قاله مجاهد.
وهو خاتمة الأشهر المعلومات، المذكورة في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} وهي: شوال وذو القعدة، وعشر [من] ذي الحجة.
قاله عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وأكثر التابعين.
صفحة ١٤٢
وبعضهم أخرج منه يوم النحر.
وهو الأيام المعلومات قاله ابن عمر وابن عباس -رضي الله تعالى عنهم-، وطائفة من التابعين منهم الحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبير.
ويروى عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [قال:]
((اختار الله عز وجل الزمان، فأحب الزمان إلى الله عز وجل الأشهر الحرم، وأحب الأشهر إلى الله عز وجل ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله عز وجل العشر الأول)).
وخرج البخاري في ((صحيحه)) من [حديث] مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال:
((ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله من هذه الأيام -يعني أيام العشر-)).
صفحة ١٤٣
قالوا يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟.
قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشيء)).
وخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
ورويناه من طريق القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- [قال:] قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
((ما من أيام أزكى ولا أحب إلى الله عز وجل، ولا أعظم منزلة من خير عمل في العشر [من] الأضحى)).
قيل: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل جاهد بماله ونفسه فلم يرجع من ذلك بشيء)).
صفحة ١٤٤
وفي هذا دلالة على أن العمل في هذا العشر -وإن كان مفضولا - أفضل من العمل في غيره، وإن كان فاضلا، وربما يزيد عليه بمضاعفة الثواب كما رويناه من [حديث] عدي بن ثابت وعن النهاس بن قهم عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما-ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم - قال:
(([ما] من أيام الدنيا أحب إلى الله عز وجل أن يتعبد له فيها من أيام العشر يعدل صيام كل يوم منها صيام سنة، وقيام كل ليلة منها كقيام ليلة القدر)).
وخرجه الترمذي وابن ماجه بنحوه.
وروينا من حديث مقاتل بن إبراهيم، حدثنا عثمان بن عبد الله عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
((ما عمل في عشر ذي الحجة [العمل] يضاعف فيها ما لا يضاعف في غيرها، صيام يوم منها يعدل صيام سنة، وقيام ليلة منها يعدل قيام ليلة القدر)).
ويروى عن مجاهد عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال:
((ليس يوم أعظم عند الله تعالى من يوم الجمعة ليس العشر، وإن العمل فيها يعدل عمل سنة)).
صفحة ١٤٥
وعن حميد سمعت ابن سيرين وقتادة يقولان: ((صوم كل يوم من العشر يعدل سنة)).
وجاء أنه يستجاب في هذا العشر الدعاء، كما روي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- أن الأيام المعلومات هي تسع ذي الحجة غير يوم النحر، وأنه لا يرد فيهن الدعاء.
وكيف يرد فيهن الدعاء وفيهن يوم عرفة الذي روي أنه أفضل أيام الدنيا فيما خرجه ابن حبان في ((صحيحه)) من حديث جابر -رضي الله تعالى عنه- مرفوعا به.
وعلق أبو زكريا النووي -رحمه الله- عن البغوي وغيره، أن يوم عرفة أفضل أيام السنة، وعلى المرجح من المذهب، لو علق [أحد] طلاق زوجته فقال: أنت طالق في أفضل أيام الدنيا، طلقت يوم عرفة.
وليوم عرفة أسماء:
منها هذا الاسم، واختلفوا لم سمي بذلك.
فذكر أبو بكر [ابن] الأنباري إنما سمي يوم عرفة لأن جبريل- عليه السلام- علم إبراهيم- عليه [الصلاة] والسلام المناسك كلها بعرفة، فقال: أعرفت في أي موضع تطوف؟ وفي أي موضع تسعى؟ وفي أي موضع تقف؟ وفي أي موضع تنحر [وترمي]؟
صفحة ١٤٦
فقال له: عرفت فسميت: عرفة.
وروي عن سليمان التيمي عن أبي مجلز قال: إنما سميت عرفة لأن جبريل -عليه السلام- كان يري إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- المناسك ويقول له: أعرفت، أعرفت؟
وجاء نحوه عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وعطاء -رحمه الله تعالى-.
وقال الضحاك: إنما سمي بذلك لأن آدم -عليه السلام- وقع بالهند، وحواء بجدة واجتمعا بعرفة وتعارفا.
صفحة ١٤٧
وروى إسماعيل بن عياش، [عن الكلبي]، عن أبي صالح، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: إن إبراهيم الخليل عليه [الصلاة] والسلام رأى ليلة التروية في منامه أنه يؤمر بذبح ابنه، فلما أصبح روى يومه أجمع -أي: فكر- أمن [أمر] الله عز وجل ذلك الحلم أو من الشيطان؟ فسمي اليوم من فكرته: [يوم] تروية. ثم رأى ليلة عرفة ذلك ثانيا، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله عز وجل، فسمي اليوم: عرفة.
وقيل: سمي ذلك بذلك لطيب رائحته، مأخوذ من العرف الذي هو الأرج الطيب، ومنه قوله تعالى:{ويدخلهم الجنة عرفها لهم} أي طيبها [لهم] في أحد التأويلات.
وقيل: لأن آدم اعترف بذنبه فيه، فوقعت له التوبة والقبول فيه.
وقيل: سمي بذلك لأن الناس يتعارفون بعرفات، كالركب الشامي مثلا يعرف أخبار العراقي، والعراقي أخبار اليماني.
وقيل: يحتمل أن يكون سمي عرفة لأن الناس يعترفون هناك في ذلك اليوم بذنوبهم إلى الله عز وجل.
وقيل: إن الحور العين تستأذن رضوان عليه السلام، فيطلعن على أزواجهن في يوم عرفة، فيعرفن أزواجهن، فسميت عرفة [لذلك].
ذكره الترمذي الحكيم في كتابه ((أسرار الحج)).
صفحة ١٤٨