بيننا من قول القائل منا إذا أراد أن يعبر عن انتظاره لوارد أو توقعه لطالع أن يقول: عنقي ممتدة إلى ورود فلان. كما يقول: عيني ممدودة إلى طلوع فلان. وقول الشاعر في البيت الثاني " فهيت هيتا " يشهد بأن مراده الوجه الأخير من الوجهين لان في هذا القول حثالة على التعجل ، وإزعاجا إلى التسرع. فأما قول الله سبحانه وتعالى: " فظلت أعناقهم لها خاضعين ". فقد فسر أيضا على وجهين أوردناهما في مواضع من كلامنا في تأويل القرآن.
(فأحد الوجهين) أن يكون سبحانه ذكر الأعناق، ثم رد الذكر على أصحاب الأعناق لان خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها لما لم يكن خضوعهم إلا بها.
(والوجه الآخر) أن يكون أراد الجماعات، لأنه قد تسمى الجماعة عنقا على الوجه الذي قدمنا ذكره. يقول القائل: جاءني عنق من الناس، أي جماعة فيكون خاضعين صفة للجماعات، والمعنى في ذلك ظاهر غير محتاج إلى التأويل. وقد يجوز أن يكون الأعناق هاهنا كناية عن السادات والمتقدمين من القوم. يقال هؤلاء أعناق القوم: أي ساداتهم. كما يقال هؤلاء رؤوسهم وعرانينهم.
ذكر ذلك صاحب العين (1) في كتابه. وقال لي أبو حفص
صفحة ٢٧