يقول: بوأني دارا، وأحف بي أعوانا، وأنصارا.
(والوجه الآخر) أن يكون اليد هاهنا بمعنى القوة فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: وهم قوة على من سواهم، والقوة أحد المعاني التي يعبر عنها باسم اليد، وقد استقصيت ذلك في كتابي الكبير الموسوم " بحقائق التأويل "، وذكرت أن قول القائل: لا أفعل ذلك يد الدهر، معناه عندي لا أفعل ذلك قوة الدهر، أي ما دام الدهر قوى الأركان قائم البنيان. فأما الحديث الآخر عنه عليه الصلاة والسلام، وهو قوله: " عليكم بالجماعة فإن يد الله على الفسطاط ". فليس المراد باليد فيه كالمراد باليد في الحديث الأول، بل المراد باليد ها هنا حفظ الله ورعايته كما يقول القائل: مالي في يد فلان. إذا أراد أنه حافظ له وأمينه عليه. والفسطاط هاهنا البلد، ومنه سمى فسطاط مصر، فكأنه عليه الصلاة والسلام، أمرهم بلزوم الجماعة في الأمصار ونهاهم عن الانشعاب والافتراق. ولم يرد أن الخارج من المصر خارج عن قبضة الله ومملكته، لكنه خارج عن حفظه ورعايته. وإنما أمرهم بلزوم الأمصار لأنها في الأكثر مواضع الجماعة، وإلا فالامر على الحقيقة إنما هو بلزوم الجماعة ولو كان أهلها في أكناف الفيافي ومطارح البوادي (1).
صفحة ١٨