الجزء الأول
مجاني الأدب في حدائق العرب
الباب الأول في التدين والتقوى
اعتقاد وجود الله
١ إعلم أيها الإنسان أنك مخلوق ولك خالق. وهو خالق العالم وجميع ما في العالم. وأنه واحد. كان في الأزل وليس لكونه زوال. ويكون مع الأبد وليس لبقائه فناء. وجوده في الأزل والأبد واجب وما للعدم إليه سبيل. وهو موجود بذاته. وكل أحد إليه محتاج وليس له إلى أحد احتياج. وجوده به ووجود كل شيء به (للغزالي)
قدرة الله
٢ إنه تعالى على كل شيء قدير. وإن قدرته وملكه في نهاية الكمال ولا سبيل إليه للعجز والنقصان. وإن السماوات السبع في قبضته وقدرته وتحت قهره وتسخيره ومشيئته. وهو مالك الملك لا ملك إلا ملكه (وله).
علم الله
٣ إنه تعالى عالم بكل معلوم وعلمه محيط بكل شيء. وليس شيء من العلى إلى الثرى إلا وقد أحاط به علمه. لأن الأشياء بعلمه ظهرت وبقدرته انتشرت. وإنه تعالى يعلم عدد رمال القفار وقطرات الأمطار وورق الأشجار وغوامض الأفكار. وإن ذرات
1 / 7
الرياح والهواء في علمه ظاهرة مثل عدد نجوم السماء (وله) قال البرعي:
يرى حركات النمل في ظلم الدجى ... ولم يخف إعلان عليه وإسرار
ويحصي عديد النمل والقطر والحصى ... وما اشتملت بحر عليه وأنهار
حكمة الله وتدبيره
٤ ليس من شيء قليل أو كثير صغير أو كبير زيادة أو نقصان راحة أو نصب صحة أو وصب إلا بحكمته وتدبيره ومشيئته. ولو اجتمع البشر والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها أو ينقصوا منها أو يزيدوا فيها بغير إرادته وحوله وقوته لعجزوا عن ذلك ولم يقدروا. ما شاء كان وما لا يشاء لا يكون. ولا يرد مشيئته شيء. ومهما كان ويكون فإنه بتدبيره وأمره وتسخيره (للغزالي)
تقوى الله
٥ قال البستي:
واشدد يديك بحبل الله معتصمًا ... فإنه الركن إن خانتك أركان
وقال ابن الوردي:
واتق الله فتقوى الله ما ... جاورت قلب امرئ إلا وصل
1 / 8
ليس من يقطع طرقًا بطلًا ... إنما من يتقي الله البطل
٦ قال ابن عمران:
وسل الإله ولذ به لا تنسه ... فالله يذكر عبده إذ يذكره
وقال غيره:
لا تجعلن المال كسبك مفردا ... وتقى إلهك فاجعلن ما تكسب
ما أحسن ما قال أبو نواس لهارون الرشيد وقد أراد عقابه:
قد كنت خفتك ثم أمنني ... من أن أخافك خوفك الله
حمد الله تعالى
٧ لك الحمد حمدًا نستلذ به ذكرا=وإن كنت لا أحصي ثناءً ولا شكرا
لك الحمد حمدًا طيبًا يملأ السما ... وأقطارها والأرض والبر والبحرا
لك الحمد مقرونًا بشكرك دائمًا ... لك الحمد في الأولى لك الحمد في الأخرى
(للبرعي)
ملازمة الصلاة
٨ ذكر أبو بكر الصلاة يومًا فقال: من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة من النار. وكتب عمر إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة. من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه. ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع (للشريشي) .
1 / 9
ذكر الآخرة
٩ إنه تعالى خلق الإنسان من نوعين من شخص وروح. وجعل الجسد منزلًا للروح لتأخذ زادًا لآخرتها من هذا العالم. وجعل لكل روح مدة مقدرة تكون في الجسد. وآخر تلك المدة هو أجل تلك الروح من غير زيادة ولا نقصان. فإذا جاء الأجل فرق بين الروح والجسد (للغزالي) ١٠ قال الإمام علي:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ... إلا التي هو قبل الموت بانيها
وقال آخر:
وما من كاتب إلا سيفنى ... ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيءٍ ... يسرك في القيامة أن تراه
(ألف ليلة وليلة) ١١ عش ما شئت فإنك ميت. وأحبب ما شئت فإنك مفارقه. واعمل ما شئت فإنك مجزي به (للغزالي) .
قال أبو محفوظ الكرخي:
موت التقي حياة لا نفاد لها ... قد مات قوم وهم في الناس أحياء
وقال الشبرواي:
إذا ما تحيرت في حالة ... ولم تدر فيها الخطأ والصواب
فخالف هواك فإن الهوى ... يقود النفوس إلى ما يعاب
1 / 10
١٢ حكي أن رجلًا حاسب نفسه. فحسب عمره فإذا هو ستون عامًا. فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وتسعمائة يوم. فصاح: يا ويلاه. إذا كان لي كل يوم ذنب فكيف ألقى الله بهذا العدد منها. فخر مغشيًا عليه. فلما أفاق أعاد على نفسه ذلك وقال: فكيف بمن له في كل يوم عشرة آلاف ذنب. فخر مغشيًا عليه. فحركوه فإذا هو قد مات (للقليوبي) ١٣ سئل عمر بن عبد العزيز: ما كان بدء توبتك. فقال: كنت يومًا أضرب غلامًا لي فقال: اذكر تلك الليلة التي تكون صبيحتها القيامة. فعمل ذلك الكلام في قلبي (للغزالي)
ذلة الدنيا
١٤ قال بعضهم: إن إبليس يعرض الدنيا كل يوم على الناس فيقول: من يشتري شيئًا يضره ولا ينفعه ويهمه ولا يسره. فيقول أصحابها وعشاقها: نحن. فيقول إنما ثمنها ليس دراهم ولا دنانير. وإنما هو نصيبكم من الجنة. فإني اشتريتها بأربعة أشياء بلعنة الله وغضبه وسخطه وعذابه وبعت الجنة بها. فيقولون: رضينا بذلك. فيقول: أريد أن أربح عليكم فيها. فيقولون: نعم. فيبيعهم إياها ثم يقول: بئست التجارة (له) ١٥ قال بعضهم:
وما أهل الحياة لنا بأهل ... ولا دار الفناء لنا بدار
1 / 11
وما أموالنا إلا عوار ... سيأخذها المعير من المعار
وقال الفقيه الباجي:
فإن كنت أعلم علمًا يقينًا ... بأن جميع حياتي كساعه
فلم لا أكون ضنينًا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه
قال آخر:
لا أسعد الله أيامًا عززت بها ... دهرًا وفي طي ذاك العز إذلال
زهد إبراهيم بن أدهم في الدنيا
١٦ حدث إبراهيم بن بشار قال: صحبت إبرهيم بن أدهم بن منصور بن إسحق البلخي بالشام. فقلت له: يا أبا إسحق خبرني عن بدء أمرك كيف كان فقال: كان أبي من ملوك خراسان وكنت شابًا. فركبت يومًا على دابة ومعي كلب. وخرجت إلى الصيد فأثرت ثعلبًا. فبينما أنا في طلبه إذ هتف بي هاتفٌ: ألهذا خلقت أم بهذا أمرت. ففزعت ووقفت. ثم عدت فركضت الثانية ففعل مثل ذلك ثلاث مرات. ففكرت بنفسي: لا والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت. ثم نزلت وصادفت راعيًا لأبي فأخذت منه جبةً من صوفٍ. فلبستها وأعطيته الفرس وما كان معي ثم دخلت البادية (للشريشي) ١٧ قال لقمان الحكيم: من يبيع الآخرة بالدنيا يخسرهما جميعًا (للثعالبي) ١٨ قيل: إن مثال الدنيا كمسافر طريق. أوله المهد وآخره اللحد.
1 / 12
وفيما بينهما منازل معدودة. وإن كل سنة كمنزلة. وكل شهر كفرسخ. وكل يوم كميل. وكل نفس كخطوة. وهو يسير دائمًا. فيبقى لواحد من طريقه فرسخ. ولآخر أقل أو أكثر (للغزالي) ١٩ قال أبو عبد الرحمان الخليل: الدنيا أمد والآخرة أبد. وقال أيضًا: الدنيا أضداد متجاورة وأشباه متباينة. وأقارب متباعدة وأباعد متقاربة (للشريشي) قال بعضهم:
إنما الدنيا فناء ... ليس للدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت
كل ما فيها لعمري ... عن قليل سيفوت
ولقد يكفيك منها ... أيها العاقل قوت
٢٠ قال أبو العتاهية: فلو كان هول الموت لا شيء بعده لهان علينا الأمر واحتقر الأمر ولكنه حشر ونشر وجنة ونار وما قد يستطيل به الخبر ٢١ سئل بعض الفلاسفة: من الذي لا عيب فيه. فقال: الذي لا يموت (للمستعصمي) قال الميداني:
العمر مثل الضيف أو ... كالطيف ليس له إقامة
وأخوالحجا في سائر ال ... أحوال مرتقب حمامه
والجاهل المغتر من ... لم يجعل التقوى اغتنامه
1 / 13
الباب الثاني في الحكم
٢٢ ما اكتسب أحد أفضل من عقل يهديه إلى هدى. ويرده عن ردى (للمستعصمي) ٢٣ المهلب بن أبي صفرة قال: عجبت لمن يشتري العبيد بماله ولا يشتري الأحرار بفعاله. قيل: السخي قريب من الله قريب من الناس. قريب من الجنة. والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس قريب من النار (للمستعصمي) ٢٤ من ظريف كلام نصر بن سيار: كل شيء يبدو صغيرًا ثم يكبر إلا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر. وكل شيء يرخص إذا كثر إلا الأدب فإذا كثر غلا (من لطائف الملوك) ٢٥ قال أنو شروان: المروة أن لا تعمل عملًا في السر تستحي منه في العلانية (للشريشي) ٢٦ قال بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان. والطب للأبدان. والنجوم للأزمان. والبلاغة للسان (للابشيهي)
٢٧ قال بعض الحكماء: إن العلماء سرج الأزمنة. كل عالم سراج زمانه يستضيء به أهل عصره (وله) ٢٨ قال علي بن أبي طالب: ما آتى الله تعالى عالمًا علمًا إلا أخذ
1 / 14
عليه الميثاق أن لا يكتمه. وقال أيضًا: ما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا (للشريشي) ٢٩ قيل لأفلاطون: ما هو الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقًا. قال: مدح الإنسان نفسه (للابشيهي) ٣٠ قال ابن قرة: راحة الجسم في قلة الطعام. وراحة النفس في قلة الآثام. وراحة القلب في قلة الاهتمام. وراحة اللسان في قلة الكلام (من لطائف الوزراء) ٣١ قال أفلاطون الحكيم: لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده. فإن الناس لا يسألون في كم فرغ. وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعته (أمثال العرب) ٣٢ مثل الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل أعمى بيده سراج يستضئ به غيره وهو لا يراه (أمثال العرب) ٣٣ قال عامر بن عبد القيس إذا خرجت الكلمة من القلب دخلت في القلب. وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان ٣٤ قال الأصمعي: سمعت بعض العرب يقول: الفقر في الوطن غربة. والغنى في الغربة وطن. وقال آخر: اختر وطنًا ما أرضاك. فإن الحر يضيع في بلده ولا يعرف قدره (للشريشي) ٣٥ قيل: عشرة تقبح في عشرة. ضيق الصدر في الملوك. والعذر في الأشراف. والكذب في القضاة. والخديعة في العلماء.
1 / 15
والغضب في الأبرار. والحرص في الأغنياء. والسفه في الشيوخ. والمرض في الأطباء. والتهزؤ في الفقراء. والفخر في من لا آل له ٣٦ نظر فيلسوف إلى غلام حسن الوجه يتعلم العلم فقال: أحسنت إن قرنت بحسن خلقك حسن خلقك (للثعالبي) ٣٧ قالت العرب: ليس على وجه الأرض قبيح إلا ووجهه أحسن شيء فيه (وله) ٣٨ أضعف الناس من ضعف عن كتمان سره. وأقواهم من قوي على غضبه. وأصبرهم من ستر فاقته. وأغناهم من قنع بما تيسر له (أمثال العرب) ٣٩ قيل: كان قس بن ساعدة يفد على قيصر زائرًا فيكرمه ويعظمه. فقال له قيصر: ما أفضل العلم. قال: معرفة الإنسان نفسه. قال: وما أفضل العقل. قال: وقوف المرء عند علمه. قال: فما المال. قال: ما قضي بحقٍ (للأصبهاني) ٤٠ قال حكيم: من ذا الذي بلغ مقامًا جسيمًا فلم يبطر. واتبع الهوى فلم يعطب. وطلب إلى اللئام فلم يهن. وواصل الأشرار فلم يندم. وصحب السلطان فدامت سلامته (للمستعصمي) ٤١ قال حكيم لآخر: يا أخي كيف أصبحت. قال: أصبحت وبنا من نعم الله ما لا تحصيه مع كثير ما نعصيه. فما ندري أيهما نشكر. أجميل ما ينشر أو قبيح ما يستر (أمثال العرب)
1 / 16
٤٢ لا تحمل على يومك هم سنتك. كفاك كل يوم ما قدر لك فيه. فإن تكن السنة من عمرك فإن الله سبحانه سيأتيك في كل غدٍ جديد بما قسم لك. وإن لم تكن من عمرك فما همك بما ليس لك ٤٣ قال علي: من استطاع أن يمنع نفسه من أربع خصال فهو خليق أن لا ينزل به مكروه: أللجاج والعجلة والتواني والعجب. فثمرة اللجاج الحيرة. وثمرة العجلة الندامة. وثمرة التواني الذلة. وثمرة العجب البغضة (للمستعصمي) ٤٤ ذو الشرف لا تبطره منزلة نالها وإن عظمت كالجبل الذي لا تزعزعه الرياح. والدنئ تبطره أدنى منزلة كالكلإ الذي يحركه مر النسيم (أمثال العرب) ٤٥ قال الحكيم: ثمانية تجلب الذلة على أصحابها وهي جلوس الرجل على مائدة لم يدع إليها. والتأمر على صاحب البيت. والطمع في الإحسان من الأعداء. ومضي المرء إلى حديث اثنين لم يدخلاه بينهما. واحتقار السلطان. وجلوس المرء فوق مرتبته. والتكلم عند من لا يستمع الكلام. ومصادقة من ليس بأهل (للغزالي) ٤٦ قال الرشيد لحاجبه: احجب عني إذا قعد أطال وإذا سأل أحال. ولا تستخفن بذي الحرمة. وقدم أبناء الدعوة (للثعالبي) ٤٧ أشد الناس عذابًا يوم القيامة إمام جائر ومن يري الناس أن فيه خيرًا ولا خير فيه (للسيوطي)
1 / 17
٤٨ لا تحمدن المرء حتى تجربه=ولا تذمنه من غير تجريب
إن الرجال صناديق مقفلة ... وما مفاتيحها غير التجاريب
(للشبراوي) ٤٩ قد قيل: إن الكتاب هو الجليس الذي لا ينافق ولا يمل. ولا يعاتبك إذا جفوته ولا يفشي سرك (لابن الطقطقي) ٥٠ قال ابن الأحوص يذم من نفع الأباعد دون الأقارب:
من الناس من يغشى الأباعد نفعه ... ويشقى به حتى الممات أقاربه
وما خير من لا ينفع الأهل عيشه ... وإن مات لم يجزع عليه قرائبه
٥١ قيل: من لانت كلمته. وجبت محبته. وطلاقة الوجه عنوان الضمير. وشرك الآمل البصير. وقيل: حسن البشر اكتساب الذكر. والبشاشة مصيدة المودة. قال سفيان بن عيينة:
بُنَيَّ إن البِرَّ شيء هين ... وجه طليق وكلام لين
(للثعالبي) ٥٢ قيل: ثلاثةٌ تورث ثلاثة: النشاط يورث الغنى. والكسل يورث الفقر. والشراهة تورث المرض
صاحب الشهوة عبد فإذا ... غلب الشهوة صار الملكا
٥٣ العلم شجرة والعمل ثمرتها. لو قرأت العلم مائة سنة وجمعت ألف كتاب لا أكون مستعدًا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل. لأن ليس للإنسان إلا ما سعى. فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل
1 / 18
عملًا صالحًا لأن من عمل عملًا صالحًا فأولئك هم يدخلون الجنة لا يظلمون شيئًا (للغزالي) ٥٤ قال معاوية: عجبت لمن يطلب أمرًا بالغلبة وهو يقدر عليه بالحجة. ولمن يطلبه بخرق وهو يقدر عليه برفق.
٥٥ وكان جعفر بن سليمان عثر برجل سرق درة فباعها فلما بصر بالرجل استحيا. فقال له: ألم تكن طلبت هذه الدرة مني فوهبتها لك. فقال الرجل: نعم. فخلى سبيله ٥٦ جنب كرامتك اللئام فإنك إن أحسنت إليهم لم يشكروا. وإن أنزلت بهم شديدة لم يصبروا (للثعالبي) أنشد بعضهم:
إن قل مالي فلا خلٌّ يصاحبني ... أو زاد مالي فكل الناس خلاني
فكم عدوٍّ لبذل المال صاحبني ... وصاحبٍ عند فقد المال خلاني
(ألف ليلة وليلة) ٥٧ قال أبو العتاهية ذاكرًا الموت:
ليت شعري فإنني لست أدري ... أي يوم يكون آخر عمري
وبأي البلاد تقبض روحي ... وبأي البقاع يُحفر قبري
٥٨ قال شمس الدين النواجي:
خلوة الإنسان خيرٌ ... من جليس السوء عنده
وجليس الخير خيرٌ ... من جلوس المرء وحده
1 / 19
٥٩ قالوا: المملكة تخصب بالسخاء وتعمر بالعدل وتثبت بالعقل وتحرس بالشجاعة وتساس بالرئاسة. وقالوا: الشجاعة لصاحب الدولة (عن الفخري)
إذا ملك لم يكن ذا هبة ... فدعه فدولته ذاهبة
٦٠ قال إبليس: إذا ظفرت من ابن آدم بثلاثة لم أطالبه بغيرها. إذا أعجب بنفسه واستكثر عمله ونسي ذنبه (للثعالبي) ٦١ سأل الإسكندر أرسطاطاليس: أيهما أفضل للملوك الشجاعة أم العدل. فقال أرسطاطاليس: إذا عدل السلطان لم يحتج إلى الشجاعة (للغزالي) ٦٢ قال الشافعي: أنفع الأشياء أن يعرف الرجل قدر منزلته ومبلغ عقله ثم يعمل بحسبه (للثعالبي) ٦٣ قال عمر بن الخطاب: يا أيها الناس إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة ومفسدة للقلب ومورثة للسقم. وقال علي بن أبي طالب: إذا كنت بطنًا فَعُدَّ نفسك زَمِنًا.
٦٤ قال لقمان لابنه: يا بني لا تجالس الفجار ولا تماشهم. إتق أن ينزل عليهم عذاب من السماء فيصيبك معهم. وجالس الفضلاء والعلماء فإن الله تعالى يحيي القلوب الميتة بالفضيلة والعلم كما يحيي الأرض بوابل المطر (للشريشي) ٦٥ قيل للإسكندر: ما بالك تعظم مؤدبك أكثر من تعظيمك
1 / 20
لأبيك. فقال: إن أبي سبب حياتي الفانية ومؤدبي سبب حياتي الباقية. ولله در من قال:
أقدم أستاذي على نفس والدي ... وإن نالني من والدي الفضل والشرف
فذاك مربي الروح والروح جوهر ... وهذا مربي الجسم والجسم من صدف
وقال الإمام علي:
كن ابن من شئت واكتسب أدبًا ... يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي
٦٦ سمع معاوية رجلًا يقول: غريب. فقال له: كلا الغريب من لا أدب له ٦٧ قيل: المرء من حيث يثبت. لا من حيث ينبت. ومن حيث يوجد. لا من حيث يولد (للابشيهي) قال الشاعر:
لكل شيء زينة في الورى ... وزينة المرء تمام الأدب
قد يشرف المرء بآدابه ... فينا وإن كان وضيع النسب
٦٨ وقيل: الفضل بالعقل والأدب. لا بالأصل والحسب. وقيل: المرء بفضيلته لا بفصيلته. وبكماله لا بجماله. وبآدابه لا بثيابه (للابشيهي)
1 / 21
قال الإمام علي:
ليس الجمال بأثواب تزيننا ... إن الجمال جمال العلم والأدب
ليس اليتيم الذي قد مات والده ... بل اليتيم يتيم العلم والحسب
٦٩ قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: الأدب حلي في الغنى. كنز عند الحاجة. عون على المروءة. صاحب في المجلس. مؤنس في الوحدة. تعمر به القلوب الواهية. وتحيا به الألباب الميتة. وتنفذ به الأبصار الكليلة. ويدرك به الطالبون ما يحاولون (أمثال العرب) ٧٠ قال الشبراوي في أدب الأحداث:
قد ينفع الأدب الأطفال في صغرٍ ... وليس ينفعهم من بعده أدب
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولا يلين ولو قومته الخشب
وقال الإمام علي يفاخر الأغنياء الجهال:
رضينا قسمة الجبار فينا ... لنا علمٌ وللجهال مال
فإن المال يفنى عن قريب ... وإن العلم ليس له زوال
ولله ما قال الآخر:
العلم في الصدر مثل الشمس في الفلك ... والعقل للمرء مثل التاج للملك
فاشدد يديك بحبل العلم معتصمًا ... فالعلم للمرء مثل الماء للسمك
1 / 22
وقال الحلي في حفظ اللغات:
بقدر لغات المرء يكثر نفعه ... وتلك له عند الشدائد أعوان
فبادر إلى حفظ اللغات مسارعًا ... فكل لسان بالحقيقة إنسان
٧١ سأل الإسكندر يومًا جماعة من حكمائه. وكان قد عزم على سفر. فقال: أوضحوا لي سبيلًا من الحكمة أحكم فيه أعمالي وأتقن به أشغالي. فقال كبير الحكماء: أيها الملك لا تدخل قلبك محبة شيء ولا بغضته. لأن القلب خاصيته كاسمه وإنما سمي قلبًا لتقلبه. وأعمل الفكر واتخذه وزيرًا. واجعل العقل صاحبًا ومشيرًا. واجتهد أن تكون في ليلك متيقظًا ولا تشرع في أمر بغير مشورة. وتجنب الميل والمحاباة في وقت العدل والإنصاف. فإذا فعلت ذلك جرت الأمور على إيثارك. وتصرفت باختيارك (للغزالي) قال بعضهم:
سرور المرء في الدنيا غرور ... غرور المرء في الدنيا سرور
خليل المرء فهو دليل عقل ... وعقل المرء مصباح ينير
٧٢ ألعلم خليل المؤمن. والحلم وزيره. والعقل دليله. والعمل قائده. والرفق والده. والصبر أمير جنوده. فناهيك بخصلة تتأمر على هذه الخصلة الشريفة (للشبراوي)
1 / 23
الباب الثالث في الأمثال السائرة
٧٣ إثنان لا يشبعان طالب علم وطالب مال. أخوك من صدقك. إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع. إذا بالغت في النصيحة هجمت بك على الفضيحة. إذا ضافك مكروه فاقره صبرًا. إذا قدمت من سفر فأهد لأهلك ولو حجرًا. آفة العلم النسيان. آفة المروءة خلف الوعد. إن الجواد قد يعثر. إن الحديد بالحديد يفلح. إن خيرًا من الخير فاعله. إنك لا تجني من الشوك العنب. إن لم تغض على القذى لم ترض أبدًا. إن لم يكن وفاق ففراق. إن يكن الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة. أول الغضب جنون وآخره ندمٌ.
أحسن إن أردت أن يحسن إليك. الحر حر وإن مسه الضر. الحكمة ضالة المؤمن. حال الأجل دون الأمل. حافظ على الصديق ولو في الحريق. حفظك لسرك أوجب من حفظ غيرك له.
خير الأمور أوسطها دواء الدهر الصبر عليه رأس الحكمة مخافة الله. رب حرب شبت من لفظة. رب
1 / 24
ضنك أفضى إلى ساحة وتعب إلى راحة. رب فرجة تعود ترحة. رب كلمة سلبت نعمة. ربما كان السكوت جوابًا سلطان غشوم خير من فتنة تدوم. سوء الخلق يعدي الشر قليله كثير. شر الناس من لا يبالي أن يراه الناس. شهادات الفعال خير من شهادات الرجال أصعب ما على الإنسان معرفة نفسه طول التجارب زيادة في العقل ظاهر العتاب خير من باطن الحقد عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان. عند الامتحان يكرم المرء أو يهان الغائب حجته معه في العجلة الندامة وفي التأني السلامة أقلل من طعامك تحمد منامك. قد ضل من كانت العميان تهديه. كثرة الضحك تذهب الهيبة. كل ممنوع متبوع.
لا رسول كالدرهم. قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه. لا تنه عن خلق وتأتي مثله. لا تكن رطبًا فتعصر ولا يابسًا فتكسر. ليس من عادة الكرام تأخير الإنعام. ليس من عادة الأشراف تعجيل الانتقام. المرء بأصغريه قلبه ولسانه
مثل الأغنياء البخلاء كمثل البغال والحمير تحمل الذهب
1 / 25
والفضة وتعتلف بالتبن والشعير. من محضك مودته. فقد خولك مهجته. من طلب شيئًا وَجَدَّ وَجَدَ. من استحسن قبيحًا فقد عمله. من كتم سره بلغ مراده. من أعجب برأيه ضل. من تأنى نال ما تمنى. من أحب شيئًا أكثر من ذكره. من لانت كلمته وجبت محبته. من سلمت سريرته صلحت علانيته. من لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب. نم آمنًا تكن في أمهد الفرش. نِعمَ المؤدب الدهر. وَضعُ الإحسان في غير موضعه ظلمٌ. وعد الكريم دينٌ. ويلٌ أهون من ويلين.
يعمل النمام في ساعة فتنة شهر. يوم واحد للعالم خيرٌ من الحياة كلها للجاهل.
٧٤ هذه أبيات تتمثل بها العرب وهي لشعراء مختلفين:
أحق دار بأن تدعى مباركة ... دار مباركٌ الملك الذي فيها
إذا ثارت خطوب الدهر يومًاَ ... عليك فكن لها ثبت الجنان
إذا لم تستطع أمرًا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
إذا مر بي يوم ولم أتخذ يدًا ... ولم أستفد علمًا فما ذاك من عمري
العلم ينهض بالخسيس إلى العلى ... والجهل يقعد بالفتى المنسوب
الكفر بالنعمة يدعو إلى ... زوالها والشكر أبقى لها
الماء يغسل ما بالثوب من درن ... وليس يغسل قلب المذنب الماء
1 / 26