مجلة «الثقافة» السورية

خليل مردم بك ت. 1379 هجري
112

مجلة «الثقافة» السورية

تصانيف

من وفرة المصادر التاريخية ملا مثيل له في الآداب الأخرى هذا لا شك فيه ولكن من يتصدى لدرس تاريخ الشرق في القرون الوسطى كثيرًا ما يزعجه أن لا يجد أمامه ما يمن معه أ، يتحقق صحة المصادر الأدبية بوثائق أدلة التأييد فيا مادية تثق بها النفس. وذلك لأن بلاد الإسلام لم تحتفظ، وهذا مما يؤسف له، بتلك السجلات المخطوطة التي تعد في أوربا أساسا كل درس من دروس التاريخ الغابر، وحينما يرجع الباحث إلى ما وراء العصرين الأخيرين يجد أن الوثائق الصحيحة قد ندرت فلم يبق إلا ما تركه بعض المؤرخين من مخطوطات نسخت عن غيرها وهي غاية ما يمكن الرجوع إليه في البحث عن رسائل السلاطين ومستندات الحسابات في الدوائر القيمة وعقود الأوقاف وحججها وإلى غير ما هنالك ولكن ما مبلغ صحة هذه المصادر الوحيدة التي يمكن الرجوع إليه في التحقيق والتتبع؟ لا شك أن في نسخها شيئًا كثيرًا من الاهتمام والأمانة ولكن رغم هذا فإنه لا محيد عن الشك بأنها قد تكون حرفت مع الزمن من جراء سهو وقع في نقلها أو إهمال جرى في نسخها أو تأويل حصل في ضبطها يضاف على ذلك أن عد هذه الوثائق قلقل نادر لا يفي بالغرض، وفي مثل هذه الأحوال تظهر فائدة الكتابات المنقوشة جلية واضحة وعلى الأخص إذا كانت مما أمر بكتابته ونقشه السلطان أو أحد أعاظم الرجال في الدولة فأمثال هذه الكتابات لم تكن لتنقش على جدران المباني وأبابه إلا بعد أن تنشأ وتحرر في الدواوين الرسمية وتوشح بتوقيع السلطان وتصديقه وهذا ما يجعل لها في أعيننا قيمة ثمينة فتكون كوثيقة صحيحة رسمية جديرة بأن يعتمد عليها. وكذلك على ما أيدته من روايات أحد المؤرخين التي تتفق مع ما جاء فيها. فلق تقرأ مثلا في كتاب الروضتين أن أتابك نور الدين عهد إلى وزيره أن يحرر النص الذي يجب على الخطباء أن يتلوه في مساجد مملكته عند ما يدعوه له بعد قراءة الخطبة وهذا النص كما رواه المؤرخ هو كما يأتي: اللهم أصلح عبدك بالفقير إلى رحمتك الخاضع لهيبتك المعتصم بقوتك المجاهد في سبيلك المرابط لأعداء دنك أبا القاسم محمود بن زنكي أق سنقر ناصر أمير المؤمنين. على أن في المسجد الذي بناه في حماه نور الدين كتابة منقوشة هذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بعمله ابتغاء رضوان الله ورغبة في ثوابه العبد الفقير إلى رحمة الله الخاضع لهيبته المرابط لأعداء دينه أبو القاسم محمود بن زنكي بن أق سنقر

2 / 18