ثم عرفت بعد قليل أن نسخة كاملة من هذه الترجمة في مكتبة المتحف البريطاني، فعزمت على أن أنقل صورتها إلى مكتبة الجامعة.
ثم سافرت إلى إستانبول عام 1356ه / 1937م؛ لأنقب في مكتباتها عن الشاهنامة التركية، شاهنامة الغوري، وعن كتب أخرى، وانتهى البحث إلى أن عثرت في مكتبات السلاطين العثمانيين في سراي طوب قبو على نسخة من الكتاب في مجلد واحد ضخم فيه صور ملونة جميلة.
ويستطيع القارئ أن يقدر اغتباطي ودهشتي إذا علم أن هذه النسخة التي عثرت عليها بعد طول البحث والتحري هي النسخة الأم من هذا الكتاب - النسخة الأولى التي كتبها المترجم بيده في القاهرة وقدمها إلى السلطان الغوري.
زاد اطلاعي على مقدمة الكتاب وخاتمته معرفتي بعناية السلطان بالأدب ورعاية أهله، فزدت إعجابا بالرجل وإعظاما له.
واطلعت من بعد على كتاب آخر يتضمن طرفا من آراء السلطان ومحاوراته في مجالسه اسمه «نفائس المجالس السلطانية»، وهو نسخة في دار الكتب مصورة عن نسخة في إستانبول هي النسخة التي كتبت للسلطان.
وينبغي أن أقول؛ اعترافا بالفضل لأهله: إن الذي أطلعني على هذا الكتاب وكتاب الكوكب الدري هو العالم الفاضل الشيخ محمد عبد الرسول، جزاه الله خيرا.
اجتمع لي كتب ثلاثة ألفت للسلطان، واجتمع لي الأمهات من هذه الكتب - النسخ الأولى التي كتبت للغوري وقدمت إلى خزانة كتبه؛ فجعلت هذه الكتب الثلاثة موضوع بحث ألقيته في مؤتمر المستشرقين، الذي اجتمع في بروكسل سنة 1938.
ورأيت أن أطبع «نفائس المجالس السلطانية» كله، ثم بدا لي أن أختار منه ومن الكتاب الآخر «الكوكب الدري» ما يفي بالمقصود، وأن أعفي القارئ من كثير من المسائل التافهة المتشابهة التي يتضمنها الكتابان، فاخترت من الكتابين مسائل وافية بتصوير مجالس الغوري وتبيين آرائه وآراء العلماء والكبراء الذين كانوا يغشون مجالسه؛ لتكون صفحات من تاريخ بلادنا في القرن العاشر الهجري. (1) مدخل: السلطان الغوري
مكانة مصر بين الممالك الإسلامية أواخر عصر المماليك، وموقفها في تباشير العصور الحديثة بين الشرق والغرب، وصلاتها بدول أوروبا والدول الإسلامية؛ وخاصة دولة بني عثمان، وقوة أساطيلها في بحر الروم والبحر الأحمر إلى الهند، واحتلالها بعض سواحل الهند لتأمين التجارة، واصطدامها بأساطيل البرتغاليين في المحيط الهندي، ثم نظام السلطان في مصر إذ ذاك، وأحوال مصر العلمية والأدبية والاقتصادية - كل أولئك مجال واسع لبحث عويص مفيد ممتع ذي خطر في تاريخ مصر والبلاد العربية والإسلامية، وتاريخ العالم كله. وعسى أن يوفق مؤرخونا إلى درس هذه المسائل وبسطها؛ فهي جديرة بالدرس والبسط، وهي من الواجبات الأولى على المؤرخين المصريين. (2) ملك الغوري
كان السلطان الغوري يدبر ملكا واسعا هو ملك مصر والأقطار التي تتبعها في أكثر العصور - الملك الذي ذكره أبو الطيب المتنبي وهو يمدح كافورا الإخشيدي:
صفحة غير معروفة