في حوادث ربيع الآخر سنة 910: «وفيه أخلع السلطان على شخص يقال له طراباي، وكان طراباي هذا ولي الأتابكية بحلب، ثم حضر إلى مصر وسعى في نيابة صفد بمال له صورة حتى تولاها.»
وفي ذي الحجة سنة 906: «وفي يوم الخميس ثامن ذي الحجة عزل قاضي القضاة زين الدين زكريا الشافعي عن القضاء، وهذا كان آخر عزله وولايته، وقد كف بصره عقب ذلك.
فلما عزل زكريا سعى محيي الدين بن عبد القادر بن النقيب في عوده إلى القضاء، وقد أورد مال له صورة، فأخلع عليه، وأعيد إلى القضاء.»
وأكثر مساوئ الغوري ترجع إلى كثرة نفقاته وقلة دخله واضطراره إلى أخذ الأموال بكل الوسائل.
وإذا رجعنا إلى ابن إياس نجد جل المساوئ التي ذكرها من هذا القبيل،
26
ولولا هذه الضرورات لبرئت سيرة هذا الرجل الهمام مما اقترف من هذه المصادرات. (16) مكانة الغوري من معارف عصره
لم تكن المعارف منتشرة مزدهرة في مصر في عصر الغوري، وإذا نظرنا إلى الأبحاث والمجادلات التي كانت في مجالس هذا السلطان ، عرفنا ضيق الأفكار وقلة المعارف، والولع بسفاسف الأمور والقصور عن جلائلها.
ولكن ينبغي ألا نعد هذه المجالس مصورة معارف علماء مصر في ذلك العهد، فإن كبار العلماء كانوا يتورعون عن هذه المجالس؛ فقد عاش بمصر في عصر الغوري علماء كبار مثل جلال الدين السيوطي، والسخاوي، والقسطلاني، وزكريا الأنصاري، ولم تذكر أسماؤهم في هذه المجالس؛ بل القضاة الأربعة الذين يذكرون كثيرا في شئون ذلك العصر، ولهم بالدولة والسلطان صلة مستمرة، قل أن يذكر أحدهم في مجالس الغوري.
ويتبين من تاريخ الغوري، ومن أقواله التي يتضمنها الكتابان: «نفائس المجالس» و«الكوكب الدري»، ومما كتبه الشريفي مترجم الشاهنامة، أن السلطان كان ذا حظ من العلوم الدينية: التوحيد والفقه والتفسير، مشاركا في علوم العربية: النحو والبلاغة وغيرهما، وأنه كان مولعا بقراءة كتب التاريخ والسير والقصص، وأنه كان ذا ملكة يتفهم بها الأدب وتزين له أن يشارك في النظم أحيانا، وأنه كان مولعا بالموسيقى والغناء، وكان له نظم وألحان يتغنى بها، وأنه كان يعرف لغات عدة.
صفحة غير معروفة