وفي حوادث ذي الحجة سنة 915: «وفي هذه السنة أينعت الأشجار التي غرسها السلطان بالميدان وأخرجت ما شتله بها من الأزهار ما بين ورد وياسمين وبان وزنبق وسوسان وغير ذلك من الأزهار الغريبة. ولقد عاينت به وردا أبيض ذكي الرائحة وهو غير أنواع الورد التي بمصر، وقد نقل من الشام، وكان يطرح في أوان الصيف والنيل في قوة الزيادة، وهو نوع غريب لم يوجد بمصر.
فكان السلطان يوضع له دكة كبيرة مطعمة بالعاج والأبنوس ويفرش فوقها مقعد مخمل بنطع، ويجلس عليه، وتظله فروع الياسمين، وتقف حوله المماليك الحسان بأيديهم المذبات ينشون عليه، ويعلق في الأشجار أقفاص فيها طيور مسموع ما بين هزارات ومطوق وبلابل وشحارير وقماري وفواخت وغير ذلك من طيور المسموع، ويطلق بين الأشجار دجاج حبش وبط صيني وحجل وغير ذلك من الطيور المختلفة - إلى أن يقول - وقد صار هذا الميدان جنة على الأرض.» (12) تدينه وبره بالفقراء
كان الغوري دينا محافظا على فروض الدين، شديدا على من يفرط فيها، وكان يعد من علماء الدين في مصر، كما يتبين فيما يأتي.
وكان كلما حزبه أمر أو حلت بالبلاد قارعة أو خشي عليها نازلة فزع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى قراءة القرآن والحديث والدعاء، وكان البخاري يقرأ في رمضان ويحتفل بختمه في القلعة، وهي سنة قديمة.
يقول ابن إياس في حوادث رجب سنة 915: وفي رجب نادى السلطان بألا يتجاهر الناس بالمعاصي، ولا يمشى بسلاح بعد المغرب، وأن الناس يواظبوا على الصلوات الخمس في الجوامع.
وفي حوادث ذي الحجة سنة 915 أن النيل زاد في هاتور ثمانية أصابع فتضرر الناس، «فرسم السلطان للقضاة الأربع بأن يتوجهوا إلى المقياس، ويدعوا إلى الله تعالى في هبوطه، فتوجهوا هناك وباتوا بالمقياس، وقرأ السلطان تلك الليلة ختمة شريفة ومد أسمطة حافلة، فانهبط في تلك الليلة نحو من نصف ذراع، فعد ذلك من الوقائع الغريبة.»
ويصف الشريفي صلاة السلطان وتهجده بالليل ودعاءه، في خاتمة الشاهنامة.
22
وكان برا بالفقراء كثير الصدقات؛ أنشأ رباطا ومارستانا في مكة ورباطا في مصر، وأجرى فيها الصدقات.
وكان يجب أن يتصدق على الفقراء بيده؛ نجد في ابن إياس مثل هذه الحوادث:
صفحة غير معروفة