============================================================
المطلب الثاني/ التأويل عند علماء السلف والخلف من تفويض الكيفية المفضية إلى التجسيم، لأن تلك الأوصاف التي وصفوا بها مسلك التفويض وأهله ستنطبق عليهم وعلى مسلكهم أيضا، لأنهم يقولون: نثبت لله تعالى الكيفية وصفات الجسم من وجه وعين ويد ورجل وأصابع وما شابه مع تفويض هذه الكيفية إليه تعالى عن ذلك، فيكون الاتفاق بين هذين المسلكين واضح - وهو الجهل
مع زيادة من قبل مسلك المجسمة على الخطأ الأول - وهو التفويض - خطأ آخر أشنع منه وهو التجسيم في حق الله وهو مخالف للعقل والتقل كما بينا في المبحث الأول (ص/33- 47).
الرابع: إن مسلك تفويض المعنى الذي سلكته المفوضة، ومسلك تفويض الكيفية الذي سلكته المجسمة، يبعد كل البعد عن اللغة العربية التي نزل بها القرآن العظيم، وهي مليئة بالاستعارات والكنايات والمجازات.
وفي ذلك قال العلامة أبو حيان الأندلس عند تفسير قوله تعالى: بل يداء مبسوطتان}: "معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له، ولا يشبه بشيء من خلقه، ولا 29 يكيف، ولا يتحيز، ولا تحله الحوادث، وكل هذا مقرر في علم أصول الدين. والجمهور على أن هذا اشتعارة عن جوده وإنعامه السابغ، وأضاف ذلك إلى اليدين جاريا على طريقة العرب في قولهم: فلان ينفق بكلتايديه (...). وقيل عن ابن عباس: يداه نعمتاه، فقيل: هما مجازان عن نعمة الدين ونعمة الدنيا، أو نعمة سلامة الأعضاء والحواس ونعمة الرزق والكفاية، أو الظاهرة والباطنة، أو نعمة المطر ونعمة النبات، وما ورد مما يوهم التجسيم كهذا. وقؤله: لما خلقت بيدى}، ولايماعملت أيدينا}، ول يد الله فوق أيديهم}، ول وللصنع على عينى}، ولا تجرى بأقينا}، ولاكل شى ءهالك إلاوجهة}، ونخوها. فجمهور الأمة أنها تفسر على قوانين اللغة ومجاز الاشتعارة وغير ذلك من أفانين الكلام(1). وقال (1) وهذا هو مسلك التأويل الذي سلكته جميع الفرق الإسلامية من المنزرهة.
صفحة ١٥١