مجالس في تفسير قوله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}
تصانيف
وروينا في كتاب ((فضائل القرآن)) لأبي عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا يزيد، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}. قال أبو عبيد: لا أدري كيف قرأه يزيد -يعني ابن هارون شيخه في حديثه- إلا أنه لا ينبغي أن يكون على هذا التفسير إلا فرقناه -بالتشديد-. والحديث خرجه الحاكم في ((مستدركه)) -دون قول أبي عبيد- وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
والسر في إنزال القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا: أن الكتب المنزلة قبل نزول القرآن أنزلت إلى الأرض جملة واحدة، فحصل للنبي صلى الله عليه وسلم ما حصل للأنبياء الذين أنزل الله عليهم كتبه جملة واحدة، فأنزل القرآن جملة واحدة، ووضع في بيت العزة من سماء الدنيا، ثم زاده الله على الأنبياء نزول القرآن مفرقا بعد نزوله جملة، فكان نزول القرآن مرتين.
والمرة الأولى التي نزل فيها جملة: هل كانت بعد ظهور نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها؟ كل منهما محتمل، وعلى كل فيه تفخيم عظيم للنبي صلى الله عليه وسلم إن كان بعد ظهور النبوة، وإن كان قبلها ففائدته أظهر وأكثر، لأن فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة النبي صلى الله عليه وسلم الأمة المرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وبإرسال نبيهم أحمد خاتم الأنبياء، وأرق الرحماء، خاتم النبيين، والمرسل رحمة للعالمين، الذي أمر بالتراحم ورغب فيه، ووعد الثواب للراحم من جنس ما يعطيه، فقال في أحاديث منها ذلك الحديث العظيم الشان ((الراحمون يرحمهم الرحمن)) الذي رويناه فيما تقدم من طرق ثمانية إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه طريق تاسعة، هي لما قبلها تابعة.
صفحة ٢٦٢