وزادت على ما وطدت من مناقب
فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم
عروش الذين استرهنوا قوس حاجب
والمثل أكثر من أن تذكر في هذا المقام، وأبين من أن تبين.
إذا أحاطت الأمة القوية أنفسها وخصائصها بأخلاق قوية، كفلت دفع الخطوب عن حوزتها، ولا سيما الأخلاق الإنسانية العزيزة التي تأبى للأمة أن تخضع فتذل فتفنى، والعربي في جاهليته وإسلامه أبي حر، يأنف أن يستعبد أو يستعبد، وقد أمده الإسلام بفضائل سيرته على وجه الأرض كالنجم لا يضل ولا يكل، وجعلته قانونا من قوانين الله يسير إلى غايته مسير الشمس والقمر في حبك السماء.
وكلما أخرجت الأمة من عمل أيديها، وأظهرت من نتاج عقولها، ونشرت من ثمرات أخلاقها وآدابها، زادتها صناعتها وعلومها وآدابها رسوخا على الأرض، وثباتا على مجرى الخطوب. ولا يعرف التاريخ أمة أثرت في وجه الأرض، وشادت في الآفاق وفي الأنفس أكثر من العرب، لا يعرف التاريخ أمة جملته أكثر مما حملوا، أو حملته أحسن مما جملوا، أو سيطرت عليه أعظم مما سيطروا، أو سطرت على صفحاته أجل مما سطروا، فإذا تركنا التاريخ القديم من معين وسبأ وحمير، ومن بابل وأشور، فهل يحدثنا التاريخ عن أمة طلعت على العالم بمثل ما طلع العرب؟ همة ذللت المشرق والمغرب في سنين، ونية تريد الخير للناس أجمعين، وعدلا يسوي بين الجبارين والمستضعفين، بل يمحو من الأرض كل جبار ومستضعف، ويقف الناس جميعا إخوة على سنن من العدل المطلق، والمساواة الكاملة، والأخوة الشاملة.
هل يعرف التاريخ أمة جمعت في سلطانها ما جمع العرب من أمم وأقطار، ثم آخت بينهم وحفزتهم إلى الفضائل والآداب والعلوم والصناعات، فإذا معظم العالم المتحضر متعاون على نسج حضارة واحدة عظيمة، كل أمة قدر مواهبها وقواها، فوصلت ما انقطع من سير الحضارة، وقطعت ما اتصل من سير الجبروت والاستعباد، والشر والفساد، وما فعلوا هذا كله إلا ابتغاء وجه الله، وقصدا إلى إصلاح الناس، وعمران الأرض. وقد ربط التاريخ ذكر العرب وتاريخ العرب بهذه المآثر وتلك الفضائل والأخلاق والمكارم، وضمن لهم الخلود ما بقي للناس سيرة في الفضائل والمعالي.
لا أقول إن الإسلام صنع العرب؛ فالإسلام صنع الله، ولكن العرب كانوا أول من حملوا هذه الأمانة فحملوها، ودعوا إلى هذه المعالي ففقهوها، وكلفوا نشرها فنشروها، فكأنما خلقت لهم أو خلقوا لها، وكانوا أحق بها وأهلها؛ وللأمم الإسلامية الأخرى بعد هذا فضل لا ينكر.
ثم أدب العرب، هل يعرف العالم أعظم منه سعة رقعة، وطول مدة، وجمالا وجلالا؟
إذا ثبتت الأمم بنيانها على كر العصور بالسير المجيدة، والمثل العالية، فعند العرب سير رجف بها الزمان، وأقر لها الحدثان، وإن مكنت الأمم لأنفسها بالصناعات والعلوم والآداب، فعند العرب ما يكفل لهم التمكن في الأرض والخلود في سجل التاريخ، وحسب المجادل أن يسير فكرة بين هضب إيران وبحر الظلمات وجبال البرانس وغابات إفريقية، ويعبر التاريخ في هذه المواطن كلها أربعة عشر قرنا ليرى مجد العرب، ويبصر حجة العرب.
صفحة غير معروفة