319

يستحقوا الثواب بالالتزام وإنما استحقوه بالعمل بها من بعد. فأما في التزامها فمضطرون ، وقال بعض الناس : عنى بالطور تشديد الأمر عليهم ، وجعل ذلك مثلا. وذلك بعيد. ومثله قول القاشاني : طور الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها. فإنه بعيد يأباه ظاهر الآية الأخرى. وإن كان الإطلاق في اللغة لا ينحصر في الحقيقة.

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (ثم توليتم من بعد ذلك فلو لا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من)

* الخاسرين) (64)

( ثم توليتم ) أي أعرضتم عن الوفاء بالميثاق ( من بعد ذلك ) أي من بعد أخذ ذلك الميثاق المؤكد ( فلو لا فضل الله عليكم ورحمته ) أي لكم بتوفيقكم للتوبة ، أو تأخير العذاب ، ( لكنتم من الخاسرين ) أي الهالكين بالعقوبة.

قال الراغب : الخاسر المطلق ، في القرآن ، هو الذي خسر أعظم ما يقتني ، وذلك نعيم الأبد ، وهو المذكور في قوله ( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) [الزمر : 15].

وقال القفال : قد يعلم في الجملة أنهم بعد قبول التوراة ورفع الطور ، تولوا عن التوراة بأمور كثيرة ، فحرفوا كلمها عن مواضعه. وتركوا العلم بها ، وقتلوا الأنبياء ، وكفروا بهم ، وعصوا أمرهم. ومنها ما عمله أوائلهم ، ومنها ما فعله متأخروهم ، ولم يزالوا في التيه مع مشاهدتهم الأعاجيب ليلا ونهارا يخالفون موسى ويعترضون عليه ، ويلقونه بكل أذى ويجاهرون بالمعاصي في معسكرهم ذلك. حتى لقد خسف ببعضهم ، وأحرقت النار بعضهم وعوقبوا بالطاعون. وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرون بها ، ثم فعل متأخروهم ما لا خفاء به. حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس ، وكفروا بالمسيح ، وهموا بقتله.

والقرآن ، وإن لم يكن فيه بيان ما تولوا به عن التوراة ، فالجملة معروفة ، وذلك إخبار من الله تعالى عن عناد أسلافهم. فغير عجيب إنكارهم ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام من الكتاب ، وجحودهم لحقه. وحالهم في كتابهم ونبيهم ما ذكر. والله أعلم.

ثم ذكرهم تعالى بالإيقاع بمن نقض ميثاقه وفيما أخذه عليهم من تعظيم السبت بقوله :

صفحة ٣٢٢