مفهوم الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة
الناشر
مطبعة سفير
مكان النشر
الرياض
تصانيف
فغضب عمر حتى همَّ به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن اللَّه - تعالى - قال لنبيه ﷺ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (١)، وإن هذا من الجاهلين، واللَّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافا عند كتاب اللَّه (٢).
وهذا الرجل قد جفا عمر أمير المؤمنين بعدة أمور تثير الغضب، وتجعله عرضة للانتقام والتأديب.
أول هذه الأمور: قوله: هي يا ابن الخطاب، ولم يقل: يا أمير المؤمنين.
والثاني: قوله: واللَّه ما تعطينا الجزل، يعني العطاء الكثير.
والثالث: وهو أقبح الأمور الثلاثة، قوله: ولا تحكم بيننا بالعدل.
ومع هذا كله حلم عنه عمر وعفا عنه، وصفح عندما سمع الآية، وسمع قول الحر: إن هذا من الجاهلين، ووقف عند الآية، ولم
يعمل بغير ما دلت عليه، بل عمل بمقتضاها، ﵁ وأرضاه (٣)، وهذا يدل على كمال حلمه وحكمته التي استفادها من هدي رسول اللَّه ﷺ، فرسخت في ذهنه حتى كانت هيئة راسخة ثابتة في نفسه
_________
(١) سورة الأعراف، الآية: ١٩٩.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة الأعراف، باب: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، ٨/ ٣٠٤، (رقم ٤٦٤٢).
(٣) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ١٣/ ٢٥٩، ٨/ ٣٠٥، ١٣/ ٢٥٠.
1 / 47