مفهوم الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة
الناشر
مطبعة سفير
مكان النشر
الرياض
تصانيف
قال: فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء؟» قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمِّر الإزار، فقال: يا رسول اللَّه! اتق اللَّه، قال: «ويلك، أولست أحقُّ أهل الأرض أن يتقي اللَّه؟»، قال: ثم ولى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول اللَّه! ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا، لعله أن يكون يصلي»، فقال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه! قال رسول اللَّه ﷺ: «إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم». قال: ثم نظر إليه وهو مُقفٍ، فقال: «إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب اللَّه رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» (١).
وهذا من مظاهر حلم النبي ﷺ، فقد أخذ بالظاهر ولم يؤمر أن ينقب قلوب الناس، ولا أن يشق بطونهم، والرجل قد استحق القتل واستوجبه؛ ولكن النبي ﷺ لم يقتله، لئلا يتحدث الناس أنه يقتل
أصحابه، ولاسيما من صلى (٢).
٣ - عن أنس بن مالك ﵁ قال: كنت أمشي مع النبي ﷺ وعليه
_________
(١) البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد ﵁ إلى اليمن، ٨/ ٦٧، (رقم ٤٣٥١)، ومسلم، في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، ٢/ ٧٤١، (رقم ١٠٦٤).
(٢) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٨/ ٦٩.
1 / 41