228

مفاتيح الغيب

الناشر

دار إحياء التراث العربي

الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٢٠ هـ

مكان النشر

بيروت

تصانيف

التفسير
مُنْذِرًا بِهِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَازِلٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَإِذَا/ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومًا. ورابعها: قوله: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: ٨٣] وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ إِلَّا مَعَ الْإِحَاطَةِ بِمَعْنَاهُ وَخَامِسُهَا: قَوْلُهُ: تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النَّحْلِ: ٨٩] وَقَوْلُهُ: مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْعَامِ: ٣٨] وَسَادِسُهَا: قَوْلُهُ: هُدىً لِلنَّاسِ [الْبَقَرَةِ: ١٨٥]، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَةِ: ٢] وَغَيْرُ الْمَعْلُومِ لَا يَكُونُ هُدًى وَسَابِعُهَا: قَوْلُهُ: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ [الْقَمَرِ: ٥] وَقَوْلُهُ: وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يُونُسَ: ٥٧] وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَحْصُلُ فِي غَيْرِ الْمَعْلُومِ وَثَامِنُهَا: قَوْلُهُ: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ [الْمَائِدَةِ: ١٥] وَتَاسِعُهَا: قَوْلُهُ: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٥١] وَكَيْفَ يَكُونُ الْكِتَابُ كَافِيًا وَكَيْفَ يَكُونُ ذِكْرَى مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ؟ وَعَاشِرُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ بَلَاغًا، وَكَيْفَ يَقَعُ الْإِنْذَارُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؟ وَقَالَ فِي آخِرِ الآية وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [إِبْرَاهِيمَ: ٥٢] وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْلُومًا الْحَادِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النِّسَاءِ: ١٧٤] فَكَيْفَ يَكُونُ بُرْهَانًا وَنُورًا مُبِينًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؟ الثَّانِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه: ١٢٣، ١٢٤] فَكَيْفَ يُمْكِنُ اتِّبَاعُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؟ الثَّالِثَ عَشَرَ: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الْإِسْرَاءِ: ٩] فَكَيْفَ يَكُونُ هَادِيًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؟ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: آمَنَ الرَّسُولُ- إِلَى قَوْلِهِ سَمِعْنا وَأَطَعْنا [الْبَقَرَةِ: ٢٨٥] وَالطَّاعَةُ لَا تُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ الْفَهْمِ فَوَجَبَ كون القرآن مفهومًا.
الاحتجاج بالأخبار:
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ:
فَقَوْلُهُ ﵇: «إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي»
فَكَيْفَ يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ؟
وَعَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ ﵇ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بالهزل، من تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ خَاصَمَ بِهِ فَلَجَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مستقيم.
الاحتجاج بالمعقول:
أَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ شَيْءٌ لَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ لَكَانَتِ الْمُخَاطَبَةُ بِهِ تَجْرِي مَجْرَى مُخَاطَبَةِ الْعَرَبِيِّ بِاللُّغَةِ الزَّنْجِيَّةِ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ ذَاكَ فَكَذَا هَذَا وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَفْهُومًا لَكَانَتِ الْمُخَاطَبَةُ بِهِ عَبَثًا وَسَفَهًا، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحَكِيمِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ التَّحَدِّيَ وَقَعَ بِالْقُرْآنِ وَمَا لَا يَكُونُ مَعْلُومًا لَا يَجُوزُ وُقُوعُ التَّحَدِّي بِهِ، فَهَذَا مَجْمُوعُ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاحْتَجَّ مُخَالِفُوهُمْ بِالْآيَةِ، وَالْخَبَرِ، والمعقول.
احتجاج مخالفي المتكلمين بالآيات:
أَمَّا الْآيَةُ فَهُوَ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ

2 / 251