مفاتيح الغيب
الناشر
دار إحياء التراث العربي
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٠ هـ
مكان النشر
بيروت
تصانيف
التفسير
اللغة إلهام المسألة الثلاثون [اللغة إلهام]: لَا يُمْكِنُنَا الْقَطْعُ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ، وَاحْتَجَّ فِيهِ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ: أَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَنَّ وَضْعَ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ لِلْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِوَضْعٍ آخَرَ مِنْ جَانِبِهِمْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَضْعٍ مَسْبُوقًا بِوَضْعٍ آخَرَ لَا إِلَى نِهَايَةٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، فَوَجَبَ الِانْتِهَاءُ إِلَى مَا حَصَلَ بِتَوْقِيفِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا النَّقْلُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [الْبَقَرَةِ: ٣١] وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ؟ وَعَنِ الثَّانِي لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ التَّعْلِيمِ الْإِلْهَامَ؟ وَأَيْضًا لَعَلَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ وَضَعَهَا أَقْوَامٌ كَانُوا قَبْلَ آدَمَ ﵇، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَلَّمَهَا لِآدَمَ ﵇.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: لَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِالِاصْطِلَاحِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالصِّفَةِ إِذَا كَانَ ضَرُورِيًّا كَانَ الْعِلْمُ بِالْمَوْصُوفِ أَيْضًا ضَرُورِيًّا، فَلَوْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِلْمَ فِي قَلْبِ الْعَاقِلِ بِأَنَّهُ وُضِعَ هَذَا اللَّفْظُ لِهَذَا الْمَعْنَى لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ ضَرُورِيًّا وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا فِي الْقَلْبِ بِأَنَّ وَاضِعًا وَضَعَ هَذَا اللَّفْظَ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُقَ الْعِلْمَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: لَمَّا ضَعُفَتْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ جَوَّزْنَا أَنْ تَكُونَ كُلُّ اللُّغَاتِ تَوْقِيفِيَّةً وَأَنْ تَكُونَ كُلُّهَا اصْطِلَاحِيَّةً، وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا تَوْقِيفِيًّا وَبَعْضُهَا اصْطِلَاحِيًّا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ لَا يُفِيدُ أَلْبَتَّةَ مُسَمَّاهُ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُ تِلْكَ اللَّفْظَةِ مَوْضُوعَةً لِذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يُفِدْ شَيْئًا، لَكِنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً لِذَلِكَ الْمَعْنَى عِلْمٌ بِنِسْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى، وَالْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ الْمَخْصُوصَةِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَسْبُوقٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى مُسْتَفَادًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ لَزِمَ الدَّوْرُ. وَهُوَ مُحَالٌ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْخَيَالِ مُقَارَنَةٌ بَيْنَ اللَّفْظِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَعْنَى الْمُعَيَّنِ فَعِنْدَ حُصُولِ الشُّعُورِ بِاللَّفْظِ يَنْتَقِلُ الْخَيَالُ إِلَى الْمَعْنَى، وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الدَّوْرُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: وَالْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُفْرَدِ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْمُرَكَّبِ، لِأَنَّ إِفَادَةَ الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ لِمَعَانِيهَا إِفَادَةٌ وَضْعِيَّةٌ، أَمَّا التَّرْكِيبَاتُ فَعَقْلِيَّةٌ، فَلَا جَرَمَ عِنْدَ سَمَاعِ تِلْكَ الْمُفْرَدَاتِ يَعْتَبِرُ الْعَقْلُ تَرْكِيبَاتِهَا ثُمَّ يَتَوَصَّلُ بِتِلْكَ التَّرْكِيبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ إِلَى الْعِلْمِ بِتِلْكَ الْمُرَكَّبَاتِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ.
اللفظ يدل على المعنى الذهني لا الخارجي المسألة الخامسة والثلاثون [اللفظ يدل على المعنى الذهني لا الخارجي]: لِلْأَلْفَاظِ دَلَالَاتٌ عَلَى مَا فِي الْأَذْهَانِ لَا عَلَى مَا فِي الْأَعْيَانِ وَلِهَذَا السَّبَبِ يُقَالُ: الْأَلْفَاظُ تَدُلُّ عَلَى الْمَعَانِي، لِأَنَّ الْمَعَانِيَ هِيَ الَّتِي عَنَاهَا الْعَانِي، وَهِيَ أُمُورٌ ذِهْنِيَّةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّا إِذَا رَأَيْنَا جِسْمًا مِنَ الْبُعْدِ وَظَنَنَّاهُ صَخْرَةً قُلْنَا إِنَّهُ صَخْرَةٌ، فَإِذَا قَرُبْنَا مِنْهُ وَشَاهَدْنَا حَرَكَتَهُ وَظَنَنَّاهُ طَيْرًا قُلْنَا إِنَّهُ طَيْرٌ، فَإِذَا ازْدَادَ الْقُرْبُ عَلِمْنَا أَنَّهُ إِنْسَانٌ فَقُلْنَا إِنَّهُ إِنْسَانٌ، فَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اخْتِلَافِ التَّصَوُّرَاتِ الذِّهْنِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ الْأَلْفَاظِ هُوَ الصُّوَرُ الذهنية لا الأعيان الخارجة، الثَّانِي أَنَّ اللَّفْظَ لَوْ دَلَّ عَلَى الْمَوْجُودِ الْخَارِجِيِّ لَكَانَ إِذَا قَالَ إِنْسَانٌ الْعَالَمُ قَدِيمٌ وَقَالَ آخَرُ الْعَالَمُ حَادِثٌ لَزِمَ كَوْنُ الْعَالَمِ قديما حادثا
1 / 37